«إننى سعيد جدا بأن أكون هنا، هذا هو أعظم يوم فى حياتى، إننى لا أتصور وجودى هنا»، هكذا عبر رئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجين عن حالته وهو يقف تحت الأهرامات الثلاثة، ويرى أبو الهول يوم 2 إبريل 1979، أثناء أول زيارة له لمصر بعد توقيعه معاهدة السلام مع الرئيس السادات فى واشنطن بحضور الرئيس الأمريكى «كارتر» يوم 26 مارس 1979، وبدأت سعادة «بيجين» قبل مجيئه إلى القاهرة، تذكر «الأهرام» يوم 3 إبريل 1977، أنه قبل مغادرته مطار بن جوريون ألقى بيانا موجزا جاء فيه: «لكى نقدر هذه الزيارة حق قدرها، فإن كل فرد منكم أنتم مواطنى إسرائيل عليه أن يتساءل: هل كان أحد يجرؤ منذ عامين أن يحلم بوقوع مثل هذا الاحتمال؟».
فى مقابل سعادة بيجين، كان فتور المصريين واضحا، تنقل «الأهرام»، 3 أبريل 1979 عن وكالة «اسوشيتد بيرس»، أن استقباله بمطار القاهرة، 2 إبريل، كان فاترا، فلم توجد جماهير تستقبله بالهتاف، ولم تُطلق أسراب الحمام فى السماء، ولم توجد أى لافتات تشيد ببيجين أو بإسرائيل، تضيف: «استقبال بيجين تم فى إطار البروتوكول، وأن علما إسرائيليا واحدا رفع فوق استراحة كبار الزوار بالمطار، وعلما آخر فوق قصر الطاهرة حيث يقيم أثناء زيارته»، تؤكد الأهرام: «فى كل مكان قصده بيجين أمس 2 أبريل، كان رجال البرتوكول الإسرائيليون والوفد الصحفى الرسمى المرافق يسألون عن عدم وجود أعلام إسرائيل فى شوارع القاهرة، وعن سبب نزعها من الأماكن بعد أن يزورها، كان الرد، أنه بالرغم من توقيع وثيقة السلام بين مصر وإسرائيل فإن العلاقات الدبلوماسية لم تتم بعد، ولن تتم إلا بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء، ثم إن الجانب المصرى يقدم كل إجراءات البرتوكول المرعية فى مثل هذه الزيارة التى تتم بين دولتين لم يتبادلا السفراء، ولم يحدث بينهما تطبيع العلاقات». فى زيارة بيجين إلى «الأهرامات» تجدد الحديث حول ما نسب إليه: «اليهود شاركوا فى بناء الأهرامات»، فحين سأله الصحفيون عن ذلك، أجاب: «لا إن تلك الحقبة من الزمن التى تم خلالها بناء الأهرامات غير الحقبة التى كنت أتكلم عنها، حيث كان بعض اليهود جاءوا إلى مصر، إنهما حقبتان مختلفتان»، تعلق الأهرام: «المعروف أن تاريخ اليهود فى مصر بدأ بعد ألف سنة من بناء الأهرامات».
تذكر «الأهرام»، أن «بيجين» وصل إلى استراحة الهرم بالهيلوكوبتر قادما من قبر الجندى المجهول فى مدينة نصر، وما كاد يطأ بقدميه الصحراء التى أقيمت عليها الأهرامات، حتى قال: «إننى سعيد جدا بأن أكون هنا، هذا هو أعظم يوم فى حياتى، لقد رأيت أهرامات المكسيك، ورأيت أهرامات مصر، وهذا يؤكد أن الحضارة الفرعونية عبرت المحيطات ووصلت إلى القارة الأمريكية، إننى أقول لكم الحق، إن أهرامات المكسيك تتضاءل أمام عظمة وضخامة وعبقرية أهرامات الجيزة، أننى تأثرت جدا بأن أراها بعين رأسى»، تضيف الأهرام، أن بيجين صعد سفح الهرم الأكبر حتى مدخله، ودخل فى الممرات المؤدية إلى غرفة الدفن، وكان يرافقه المهندسون فيكتور جرجس مدير هيئة الآثار، وناصف مختار مدير آثار منطقة الأهرام ومفتش الآثار زاهى حواس، ودارت مناقشة حينما سأل أحد مرافقى بيجين عما إذا كان المصريون بنوا الأهرام تحت العبودية، ورد عليه «حواس» قائلا: «إنهم قاموا بهذا العمل بوازع دينى وبرغبة صافية لتكريم موتاهم، لأنهم كانوا ينظرون إلى الفرعون لتكرم موتاهم لأنهم كانوا ينظرون إلى الفرعون على أنه ممثل الإله».
بعد انتهاء زيارة الأهرامات، اجتاز موكب «بيجين» شوارع القاهرة حتى المعبد اليهودى بشارع عدلى، حيث كان فى استقباله «إيلى دويك»، رئيس الطائفة اليهودية فى مصر وجمع من اليهود المصريين حضر صلاة شكر خاصة أقيمت فى المعبد، وألقى بعد الصلاة كلمة قال فيها: «جئنا إليكم بالسلام الذى ننشده، شكرا لله من أجل أن أنعم علينا بنعمة السلام».
فى 3 إبريل، مثل هذا اليوم، 1979، اجتمع مع السادات 50 دقيقة، وفقا لـ«الأهرام» يوم 4إبريل، واتفقا على تبادل وثائق التصديق على معاهدة السلام وعلى الخطاب التكميلى الخاص بالحكم الذاتى للفلسطينيين بعد إقرار مجلس الشعب لهما، واتفقا على عودة السيادة المصرية إلى سيناء 26 مايو 1979، ويحضر «بيجين» فى اليوم التالى لتسليمها «27 مايو» إلى مدينة العريش، ثم يستقل السادات وبيجين طائرة هليوكوبتر إلى مدينة بئر السبع فى النقب ثم يعودان فى نفس اليوم إلى العريش، وقال السادات فى المؤتمر الصحفى عقب الاجتماع: «أنا أكثر من راض عن نتائج المباحثات، ولولا أن الساعة مبكرة فى واشنطن لكنا اتصلنا بصديقنا الرئيس كارتر لإبلاغه بما حققناه».
فى الساعة الرابعة عصرا «3 إبريل» غادر بيجين القاهرة، وكان فى وادعه محمد حسنى مبارك نائب الرئيس.