أحد عشر عاما مرت على الأزمة السورية التي تراوح مكانها دون التوصل إلى حل شامل ومستدام للأزمة التي طال أمدها بسبب تضارب المصالح والتدخلات الخارجية التي أدت لتعقيد المشهد السياسي والعسكري والاقتصادي، وذلك بسبب الصراع الشرس بين القوى الغربية وروسيا الاتحادية على المصالح والنفوذ داخل الساحة السورية، حيث تسبب هذا الصراع وحالة الاستقطاب في تدمير كبير للبنية التحتية في الشقيقة سوريا.
"الفشل" كلمة تلخص نتيجة كافة التحركات التي قادتها الأمم المتحدة والأطراف الفاعلة في المشهد السوري لتفعيل الحل السياسي أو الاتفاق على الخطوط الرئيسية للحل ولعل أبرزها فشل اجتماعات اللجنة الدستورية التي احتضنتها مدينة جنيف السويسرية على مدار أشهر متواصلة، وذلك بسبب افتقار الشخصيات المشاركة في الاجتماع للإرادة الحقيقة والفهم الجيد للاتفاق على بعض النقاط الهامة في المسار الدستوري السوري.
مشكلة الأزمة السورية تكمن في تضارب المصالح بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي من جهة، وروسيا الاتحادية وحلفائها من جهة، وهو ما يؤكد أن الحل السياسي للازمة الراهنة في البلاد لن يتحقق إلى بتوافق أمريكى – روسي يحسم حالة الاستقطاب والصراع الحالي للشروع في عملية إعادة اعمار البلد المدمر حيث تسببت العقوبات المفروضة على دمشق و"قانون قيصر" في وأد أي تحرك يهدف لتحريك عجلة إعادة الاعمار.
يحتاج السوريون إلى آلية أممية واضحة ومحددة تشبه التحرك الذي قام به المبعوث الأممي السابق لدى ليبيا غسان سلامة والذى عمل على تحقيق توافق بين الدول الإقليمية والدولية الفاعلة في الساحة الليبية قبل الانتقال إلى الداخل الليبي بطرح مبادرة تشكيل ملتقى للحوار، وهو الملتقى الذى أشرفت الأمريكية ستيفاني وليامز على الترتيب له ما انبثق عنه سلطة تنفيذية تتكون من مجلس رئاسي وحكومة وحدة وطنية، وبعيدا عن التعثر الحالي في المشهد الليبي لكن التوافق الدولي حول بعض الخطوط الرئيسية سيسهل عملية الحل والانتقال إلى الانتخابات لحسم الصراع على الشرعية.
مشكلة كبيرة تعاني منها شريحة واسعة من الشخصيات التي تتصدر المشهد السوري باعتبارها ممثلة للكيانات المعارضة وهي التمويل الخارجي وفقدان القرار السيادي، وهو ما يؤثر في اختيارات السوريين وقراراتهم الخاصة بالحل السلمي وفق القرار الأممي 2254، لكن يبقى الأمل قائما حال تحرر المعارضة السورية من الهيمنة الخارجية التي تحاول خدمة أجندات دول بعينها دون الالتفات إلى مصالح أبناء الشعب السوري المتضررين فعليا من حالة الجمود السياسي في البلاد حيث يمكن ما وصف ما يجري في سوريا بحالة " لا سلم .. لا حرب"، وهو ما يتطلب تحركا فاعلا تقوده الدول العربية للدفع نحو حل الأزمة.
تعليق عضوية دمشق داخل جامعة الدول العربية دفع أطرافا إقليمية ودولية للانخراط بشكل أكبر وبتحرك فعلي على الأرض داخل الساحة السورية للعمل على تحقيق مصالح وأجندات ضيقة تخدم مصلحة بعض الدول التي تري في سوريا فرصة لفرض معادلات جديدة في المنطقة العربية والدفع نحو تقسيم البلاد على أسس طائفية وعرقية، ويعد أي تحرك لتفتيت دولنا العربية خدمة مجانية لطرف وحيد مستفيد من هذه الحالة وهو إسرائيل التي تراقب عن كثب التطورات الراهنة في سوريا.
التحركات والاتصالات التي تقوم بها بعض الدول العربية لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية تحتاج إلى جهد مضاعف ومحاولة بناء جسور الثقة المفقودة بين حكومة دمشق وعدد كبير من الدول العربية التي لم تقرأ المخطط الغربي جيدا وتغافلت عن التدمير الممنهج لمقدرات الدولة السورية، فضلا عن مقتل عشرات آلاف المدنيين والعسكريين وجرحى مئات آلاف المدنيين ونزوح ملايين السوريين إلى خارج بلادهم بحثا عن الأمن والأمان والاستقرار.
سوريا تمثل العمق العربي وأحد أهم أضلاع مثلث الأمن القومي للدول العربية وسيكون أي تحرك لتفتيتها وتقسيمها تداعيات سلبية وخيمة على أمن واستقرار المنطقة برمتها، وهو ما يستلزم يقظة عربية بالتوافق على مبادئ أساسية تدعم الحل السلمي ولعل أبرزها الحفاظ على وحدة وسيادة واستقلالية سوريا، التأكيد على رفض أي حلول تستند إلى التقسيم والتفتيت، رفض الإجراءات الإسرائيلية في الجولان خاصة بعد اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الجولان، مشاركة كافة الأطراف المتصارعة في عملية إعادة الاعمار وتحمل كلفتها كاملة، على ان يتم نقل هذه النقاط للجانبين الروسي والأمريكي باعتبارهما الدولتان اللتان تمتلكان مفاتيح الحل الشامل والمستدام لأزمة سوريا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة