بالطبع هناك وجه آخر لظاهرة المستريح، ليس له علاقة بحجم الأموال الموجودة مع الناس أو ثقافة التعامل مع البنوك، لكنه يرتبط بصورة مباشرة بثقافة الطمع والرغبة في الثراء السريع، والحصول على أكبر قدر من المكاسب دون تحرى مصدرها أو بذل مجهود فيها، وهذا ما دفع "مصطفى البنك"، سائق التوك توك، لجمع 200 مليون جنيه من الأهالي في أسوان خلال أسابيع قليلة، ولعل أبرز مقوماته أنه كان يشترى المواشي بضعف ثمنها، فتحول إلى سوق بديلة يلجأ لها الجميع، بدلا من السوق التقليدية، التي تخضع لقانون العرض والطلب.
ثقافة الطمع وجمع الأموال دون عناء تظهر دائماً في أوقات الأزمات والمشكلات الاقتصادية، وتتفاعل طردياً مع زيادة معدلات الفقر، فالغالبية العظمى لا تخطط لما تعمل، ولا تحاول تقديم حلول إيجابية لمشكلاتها، لكن تلجأ إلى المؤقت والسهل، فقد ظن أغلب ضحايا "مصطفي البنك"، المعروف بمستريح المواشي أن بإمكانهم بيع مواشيهم بأسعار أعلى، ثم يشترون غيرها بأسعار أقل من السوق الشرعية، وتصوروا أنهم يمارسون الفهلوة والحداقة على "مصطفى البنك"، لكن هيهات هيهات لما ظنوا، فقد اختطف أموالهم، وفر هارباً إلى صحراء الصعيد حتى تمكنت أجهزة الأمن من ضبطه.
ظاهرة المستريح ستظل موجودة مادامت ثقافة السعي والعمل متراجعة، على حساب المكسب السريع والفهلوة والحداقة والجشع واستغلال الأزمات، لذلك لا أتعاطف أبداً مع كل من تعرضوا للنصب من مستريح أسوان أو غيره من المنتشرين في أغلب محافظات الجمهورية، فقد كانوا على نفس درجة الطمع واستحلوا أموالا يعرفون جيداً أنها تمر بطريقة غير شرعية أو بها شبهات وشك، ومن هذا المنطلق أشجع على الاستزادة في النشر لهذه القضية، حتى يتعلم الناس ويعرفوا خطورة هذه الظاهرة، ويخرجوا منها بدروس مستفادة حقيقية.
مستريح أسوان ليس أكثر من قصة انكشفت سريعاً وذاعت في وسائل الإعلام نتيجة تسليط الضوء عليها، وغرابة الأسلوب المتبع في جمع الأموال، لكن هناك العشرات من هؤلاء في كل مركز ومدينة وقرية، يمارسون أعمال النصب والاحتيال على المواطنين، لذلك يجب التصدي لهذه الظاهرة ووضع تكييف قانونى مناسب لها، لخطورتها المباشرة على الاقتصاد، ودورها في تكدير الأمن والسلم العام، وتأثيرها على السلام الاجتماعي، وقد شاهدنا أعمال الحرق والتخريب التي مارسها الضحايا في قرية مستريح أسوان بعدما فر بأموالهم.
الوجه الآخر للأزمة مرتبط بالبنوك، التي يجب أن تتنبه لخطورة ظاهرة "المستريح"، وتتوسع في فروعها وخدماتها الموجهة إلى القطاع الريفي، وتحقق انتشار معقول في قرى الصعيد، والمناطق النائية، حتى تقطع الطريق على هؤلاء، وتقدم خدمة حقيقية للناس، تضمن أموالهم ومدخراتهم بصورة كريمة وآمنة، ولا مانع لتلك البنوك أن تستهدف هذه الظواهر في حملاتها الإعلانية، ليصل الهدف إلى الناس وتستطيع خلق وعى عام بخطورتها على المجتمع، كما أن هذا التحرك سوف يضمن تحقيق الشمول المالي الذى تنشده البنوك، ويسهم في دخول الاقتصاد غير الرسمي إلى الدخول في المنظومة الرسمية، ويقضى على ظاهرة حفظ الأموال داخل المنازل أو توظيفها مع "المستريح"!.