حالة غير مفهومة تسيطر على قطاعات عديدة من المصريين الذين يرغبون في تحويل مدخراتهم إلى مشغولات ذهبية، حتى وإن كانت صغيرة أو متواضعة، الأمر الذي أسهم بدوره في اضطراب غير مسبوق بسوق المعدن الأصفر، وخلق حالة طلب تفوق كل التوقعات، تزامنت مع موسم الأعياد الذي يرتبط غالباً بالمقبلين على شراء "الشبكة" والزواج، وتحت شعارات الملاذ الآمن والعبارات التي يرددها أغلبنا، بدأت موجة من الاستثمار العشوائي في الذهب، لدرجة أن البعض يبيع ممتلكاته ويحولها إلى ذهب!
تخيل معي لو سعى كل مواطن إلى تحويل مدخراته أو ممتلكاته إلى مشغولات ذهبية، ماذا يمكن أن يحدث في مؤشرات الاقتصاد ودورة رأس المال، وحجم الانكماش والركود المتوقع في الأسواق، لذلك يمكن سرد التأثيرات السلبية لتوظيف مدخرات الأفراد في الذهب من خلال السطور التالية.
أولاً: - سوف تتجمد مدخرات الأفراد في قطع معدنية، دون أن يكون لها عائد مباشر أو استثمار واضح المعالم في نشاط تجارى أو صناعي أو زراعي، يرفع معدلات النمو ويخلق فرص عمل.
ثانياً: - الطلب غير المسبوق على الذهب سوف يصحبه اضطراب كبير في الأسواق كما حدث في الأيام الماضية، وتلاعب في الأسعار، وبيع بقيم أكبر بكثير من الحقيقية.
ثالثاً: - الطلب غير المبرر على الذهب سوف يشكل عبئاً على العملة الصعبة، ويرفع قيمتها، ويستنزف العملة الوطنية، خاصة أن سعر الذهب مقوم بالدولار، وهو في النهاية صورة من الأدوات الاستثمارية التي تعتمد عليها الدولة في الاحتياطيات الدولية.
رابعاً: - الادخار في المعدن الأصفر يقضى على كل الفرص البديلة، ويرفع معدلات البطالة، ويساهم بصورة مباشرة في غياب الاستثمار بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي تخلق فرص عمل، وتدعم معدلات النمو، وتقدم منتجات محلية بجودة معقولة، يمكن الاعتماد عليها في أوقات الأزمات الاقتصادية العالمية كما يحدث الآن.
خامساً: - وضع مدخرات الأفراد في الذهب يحد من حجم السيولة لدى البنوك، ويقلل بدوره من المساهمة في دعم المشروعات الكبرى، وجهود إنعاش الاقتصاد ورفع معدلات النمو، والقدرة على ضخ السيولة في القطاعات المختلفة.
سادساً: - الذهب استثمار بدون عائد، فلن تحصل من خلاله على أموال، ولن تربح من الاتجار فيه إلا في الأوقات التي يحقق فيها طفرات سعرية كبيرة، وهذا لن يحدث في الوقت الراهن، فالسعر العالمي مرشح للانخفاض لوصوله إلى مستوى الذروة، مع رفع معدلات الفائدة الأمريكية، والاستمرار في هذا الإجراء مستقبلاً، أما على المستوى المحلي فقد تم تحريك سعر الدولار في مارس الماضي بمعدلات وصلت إلى حوالي 15%، وغير متوقع أن تحدث إجراءات مماثلة في الوقت الراهن.
كل ما سبق يقودنا إلى فكرة أساسية وهي أن الذهب قد يكون ملاذاً آمناً للدول ضمن مكونات احتياطياتها من العملات الأجنبية، لكن ليس بالضرورة للأفراد، والاضطرابات المتوقعة للمعدن الأصفر خلال الفترة المقبلة، سوف تطرح الكثير من النظريات التي لا تصدق في بريق الذهب وقوته، لذلك ما نحتاجه في بلد بحجم مصر، عدد سكانها يزيد عن 100 مليون مواطن أن نخطط لما هو قادم، ونتحوط في مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية، التي بدأت بالتضخم وستنتهى بالركود التضخمي، ونستعد أولا بتخفيض حجم الاستهلاك من السلع غير الضرورية، والعمل بمعدلات أكبر من الفترات الماضية.