أحمد إبراهيم الشريف

طىُّ الألم.. رواية هالة البدرى عن الفقد والتداوى بالكتابة

السبت، 21 مايو 2022 08:46 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن الكتابة الصادقة المحفوفة بالمشاعر هى أقصر الطرق إلى القلب، هذه حقيقة تكشفها الكتابات الحقة، ومن ذلك رواية "طيُّ الألم" للكاتبة الكبيرة هالة البدري، والصادرة مؤخرا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، والتى انتهيت من قراءتها مؤخرا، كنت مسكونا خلال زمن قراءتها بشجن كبير دفعني لتأمل الحياة والموت.
 
ومن هنا يمكن القول إن "طي الألم" أكثر من رواية أدبية، إنها وقفة مع النفس فى لحظة فارقة، هي لحظة الفقد، وليس أي فقد، إنه فقد يغير كل شيء حيث رحيل الزوج والسند، فالبطلة التى تعمل كاتبة تجد نفسها فى موقف صعب، حيث الزوج الحبيب يبدأ رحلة المرض السريع التى تنتهى بالرحيل، نعم إنه رحيل حسبما أصرت الكاتبة طوال الرواية أن تكتب، لم تقل موتًا أو وفاة، إنه رحيل، انتقال، لكنه انتقال صعب، كانت له تبعاته النفسية.
 
وتأتي رواية "طيُّ الألم" مصحوبة بحس الكاتبة الروائية والصحفية المترصدة للمعانى والمتنبهة للتفاصيل كلها، من البداية إلى النهاية، من المنزل وحديقته، من شجرة المانجو التى كانت فى حاجة إلى الشمس، إلى صدور الرواية بعد 20 عاما من كتابتها، مرورا بالأبناء الحالمين المكلومين بفقدان الأب، وبالحديث عن المستشفيات والعلاجات وما يتم فيها، بالتخطيط للمنزل الجديد، بالسفر والأصدقاء الجدد، بالكتابة وهمومها، بالآخرين المحيطين بنا لكنهم لا يعلمون شيئا عن آلامنا، يظنوننا قد تجاوزنا الوجع، لكن ذلك لم يحدث.
 
فى الرواية خطان مهمان، الأول يرتبط بالمرض والبحث عن الطريقة الأفضل للعلاج ثم الرحيل، والثاني يرتبط بما بعد موت "أحمد"، بعامين من الألم المتواصل، رغم المحاولةوالمقاومة والسفر والكتابة والتظاهر بالحياة، لكن طيف أحمد كان حاضرا فى كل شيء، حتى أن هذين العامين انتهيا بالكتابة عن مرحلة المرض والرحيل.
 
إن  هالة البدرى تقول لنا فى نهاية الرواية إن ما كتبته هو جزء من سيرتها،  صاغته بطريقة فنية، فوثقت للحقيقى بذكر أحداث واقعية وشخصيات حقيقية مثل الكتاب الكبار بهاء طاهر وجميل عطية وطاهر البرنبالى، وبعدد من أسماء أعمالها الأدبية منها روايتها البديعة "ليس الآن"، وكل ذلك أعطى مصداقية للعمل الأدبى وجعل كل ما فيه مصدقا.
 
أما الجانب الفنى فتمثل فى أكثر من زاوية منها اللغة المعبرة الدالة على الألم والفرح، والتزاوج الزمنى بين لحظتى مرض أحمد ورحيله، وزمن الكتابة، الذى تم بعد عامين، كما أشرنا من قبل، هذا التداخل كان فى صالح الرواية.
 
لقد ظلت شخوص "طي الألم" حية قادرة على الحركة وإثارة الشجن بل إنها تدفعنا أحيانا للبكاء، حيث نجحت هالة البدري أن تعيد اللحظة الماضية بكل ما فيها من تفاصيل مفرحة ومؤلمة، حيث تجسد كل شيء من جديد، ورحنا نترقب ما تكشفه التحاليل وما يقوله الأطباء وما يحدث فى المستشفيات، وفى لحظة معينة نسينا أنها تتحدث عن ماضٍ، بل والأغرب أننا لم نخضع لفكرة الرحيل تمامًا، فعلى الرغم من أنها صرحت بذلك من البداية، لكن حب الزوجة وحرصها على النجاة أثر علينا نفسيا فرحنا نتمنى النجاة لأحمد ونرجو له السلامة، وعند رحيلة تفاجأنا.
 
نعم كانت الرواية محاولة لـ طي الألم داخل الكتابة، لكن الألم ظل ظاهرا قويا عبرت عنه الكتابة لكنها لم تطوه فى داخلها وتكتمه.    
 
 
 








الموضوعات المتعلقة


مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة