يدخل الصراع فى أوكرانيا شهره الرابع، وتبدى كل الأطراف تمسكها بمواقفها، الولايات المتحدة وأوروبا فى جانب، وروسيا تتمسك بموقفها تجاه ما ترى أنه حماية لأمنها القومى، وبينما يراهن كل طرف على أن يستسلم الطرف الآخر، يدفع العالم ثمنا باهظا لهذا الصراع، فى صورة أزمة غذاء وطاقة.
المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا لا تشير إلى تقدم، وتدور حول نفسها، وبالرغم من حرص كل الأطراف على إبعاد شبح حرب عالمية، فإنهم لم ينجحوا فى إبعاد أجواء التوتر فى أوروبا والعالم فى صورة أزمة اقتصادية تتزايد وتفرض ظلالها على الجميع، ومع استمرار الحرب، يتوقع أن تتغير بعض المواقف والتحالفات طبقا للمصالح، فى حالة استمرار الصراع لفترات أطول.
التوتر بين روسيا والغرب بسبب أوكرانيا، وصل أقصاه فى أعقاب ضم روسيا للقرم، لكن إعادة الحديث عن انضمام أوكرانيا لحلف الناتو ضاعف من التوتر وانتهى بدخول روسيا فى حرب لحماية أمنها القومى، وردت الولايات المتحدة والغرب بعقوبات تضاعفت لعقاب موسكو، فى حرب اتخذت سياقا اقتصاديا وتجاريا ألقى بظلاله على الجميع فى الطاقة والغذاء، حيث واجهت موسكو العقوبات الغربية بإجراءات مثلت تهديدا مباشرا لإمدادات الطاقة للقارة الأوروبية، مع القمح والذى يتدفق أغلبه من روسيا وأوكرانيا.
كل هذا جعل الخبراء يحذرون من سيناريوهات صادمة ، لأن روسيا هى المصدر الرئيسى للغاز فى أوروبا الغربية، وبالتالى فإن العقوبات على قطاع الطاقة فى روسيا التى تدعمها إدارة الرئيس الأمريكى بايدن، لا تضر الاقتصاد الروسى فقط، لكنها تنعكس على أوروبا والعالم، وهو ما جعل صحيفة «نيويورك تايمز» تشير إلى أن هناك انقساما بين الولايات المتحدة وأوروبا وأوكرانيا تجاه أهداف الصراع، وبعد ثلاثة أشهر من الوحدة ردا على «الغزو» الروسى، هناك انقسام متزايد، حتى داخل الولايات المتحدة، وخلف تمسك قادة الحزب الديمقراطى والجمهورى بتحقيق نصر فى أوكرانيا هناك اختلاف فى تحديد النصر ومعناه بين أمريكا وأوروبا.
الولايات المتحدة تصر على اعتبار روسيا دولة منبوذة، فإن آخرين حسب «نيويورك تايمز» وخاصة فى أوروبا، يحذرون من مخاطر مثل هذا النهج، وحتى داخل الولايات المتحدة هناك تيار ظهر جليا فى المنتدى الاقتصادى العالمى فى دافوس، يرى خطورة فى استمرار الضغط على روسيا بالشكل الذى قد يدفع لبناء تحالف روسى صينى، ومن هؤلاء هنرى كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكى الأسبق، الذى ألقى بحجر كبيرفى المياه الراكدة، عندما حذر من هذا، وقال إن أوكرانيا قد تضطر لتقديم تنازلات إقليمية كجزء من تسوية تفاوضية، كيسنجر جدد رؤيته التى طرحها عام 2014 فى مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست» وأعاده على هامش أعمال منتدى دافوس، واقترح تنازل أوكرانيا عن بعض أراضيها إلى روسيا من أجل التوصل لاتفاق سلام مع موسكو، واعتبر مواصلة الحرب بعد تلك النقطة لن تكون حول حرية أوكرانيا، لكن ضد روسيا نفسها.
كيسنجر مع آخرين يحذرون من أن استمرار الضغط على روسيا قد يقود لتفجر أكبر وتحالفات أخطر، تصريحات كيسنجر لم تأخذ حقها فى النشر لكونها تأتى ضد اتجاه إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن الدافعة للصراع، وأثارت رد فعل غاضبا من أوكرانيا، حيث رد أوليكسى جونشارينكو، النائب بالبرلمان الأوكرانى لشبكة سى إن بى سى الأمريكية «أعتقد أن كيسنجر لا يزال يعيش فى القرن العشرين، ونحن فى القرن الحادى والعشرين، ولن نتخلى عن أى شبر من أراضينا»، وقال الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى إن كيسنجر يخرج من الماضى العميق ويقول إن قطعة من أوكرانيا يجب أن تُمنح لروسيا.
ورغم هذا فإن أوروبا نفسها تبدى انقساما تجاه التعامل مع الغاز والنفط الروسى، وبحسب خبراء ومحللين فإن الوحدة بين الناتو والاتحاد الأوروبى تعرضت مؤخرا لضغوط، مستشهدة بإحجام العديد من الدول الأوروبية، بما فى ذلك المجر، عن فرض حظر على إمدادات النفط الروسية، وبحسب «نيويورك تايمز» فإن الأوروبيين لا يحاولون حتى الآن، على الأقل وقف استيراد الغاز الروسى، بينما فرنسا وألمانيا وإيطاليا تبدى قلقا من إطالة أمد الصراع بما يضاعف الضرر على اقتصاداتها، معتبرة روسيا جارا حتميا لا يمكن عزله إلى الأبد.
وكل هذا يعنى أن مع طول أمد الحرب تتغير التحالفات بتغير المصالح والأخطار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة