يعد الإمام الحسن البصري، أحد أشهر فقهاء المسلمين، وهو إمام وقاضي ومحدّث من علماء التابعين ومن أكثر الشخصيات البارزة في عصر صدر الإسلام، سكن البصرة، وعظمت هيبته في القلوب فكان يدخل على الولاة فيأمرهم وينهاهم، ولا يخاف في الحق لومة لائم.
ولد الإمام الحسن البصري في المدينة المنورة سنة 21 هجريًا وكان ذلك قبل نهاية خلافة عمر بن الخطاب بسنتين فقط، فقد كان أبوه أبي الحسن يسار، أبو سعيد، مولى زيد بن ثابت الأنصاري وأعتق وتزوج أمه "خيرة" التي كانت مولاة لأم المؤمنين السيدة سلمة رضي الله عنها وأرضاها وهي من أكمل نساء العرب عقلًا، وأوفرهن فضلًا، وأشدهن حزمًا، وكانت من أوسع زوجات سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علمًا، وأكثرهن رواية عنه، إذْ روت عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثمائة وسبعة وثمانين حديثًا.
وتربى الحسن البصري رضيعًا في بيت النبوة في حجر السيدة أم سلمة التي كانت أمه تخدمها وتعتبرها مثل ابنتها، وكثيرًا ما كانت أمه خيرة تخرج من بيت أم المؤمنين لقضاء بعض حاجات أم المؤمنين، أو تنشغل عن رضيعها فيبكي من جوعه، ويشتدُّ بكاؤه، فتأخذه أمُّ سلمة إلى حجرها، وتلقمه ثديها لتصبِّره، وتعلِّله عن غياب أمه.
قد ذكر الإمام المزي في كتابه "تهذيب الكمال" أن أم المؤمنين السيدة أم سلمة رضي الله عنها أرضعت الحسن البصري ودر عليه ثديها فشرب منه، ومن المعلوم أن الحسن ولد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وأن أم سلمة لم تلد بعد زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم".
ومن هنا استمد الإمام الحسن البصري الحكمة والعلم ببركة أم المؤمنين السيدة أم سلمة ودعاء الصالحين له، فقد كانت أمه تخرجه وهو صغير إلى الصحابة فيدعون له، وكان في جملة من يدعو له عمر بن الخطاب، قال: "اللهم فقهه في الدين وحببه إلى الناس" كما ذكر الإمام ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية".
ونشأ الحسن البصري بوادي القرى، وحضر الجمعة مع عثمان بن عفان رضي الله عنه، وسمعه يخطب، وشهد يوم الدار وله يومئذ أربع عشرة سنة.
وبلغ الإمام الحسن البصري من العلم الكثير حتى عدوه أعلم أهل عصره، وعن ذلك يقول قتادة: "ما جمعت علمه إلى أحد العلماء إلا وجدت له فضلا عليه، غير أنه إذا أشكل عليه كتب فيه إلى سعيد بن المسيب يسأله، وما جالست فقيها قط إلا رأيت فضل الحسن"، له باع كبير فيه ونقلت آراؤه المتميزة في كثير من مصنفات الفقه لمختلف المذاهب، فلا تكاد ترى مصنفًا فقهيًا إلا وذكر رأيًا للحسن البصري.
وفي ليلة الجمعة من غُرَّة رجب سنة (110هـ)، انتقل الإمام الحسن البصري إلى جوار ربه وقد بلغ من العمر 88 سنة.