انطلاقًا من دور الجهاز القومى للتنسيق الحضارى فى العمل على إحياء الذاكرة القومية والتاريخية للمجتمع المصرى، انطلقت فكرة مشروع "حكاية شارع"، الذى يهدف إلى التعريف بالشخصيات المهمة التى أطلقت أسماؤها على بعض الشوارع، وذلك من خلال وضع لافتات باسم وتاريخ الأعلام الذين أطلقت أسماؤهم على الشوارع، والذين يشكلون قيمة تاريخية وقومية ومجتمعية لمختلف فئات الشعب المصرى، ولهذا نستعرض يوميًا شخصية من الشخصيات التى لهم شوارع تحمل أسماءهم، حسب ما جاء فى حكاية شارع للتنسيق الحضارى، واليوم نستعرض شخصية صلاح الدين الأيوبى، والذى له شارع يحمل اسمه بالقاهرة، كما أن له قلعة تحمل اسمه فى مصر.
صلاح الدين الأيوبى هو أيوب بن شادى بن مروان بن على بن عثرة بن الحسن بن على بن أحمد بن عبد العزيز بن هدبة بن الحصين بن الحارث بن سنان بن عمر بن مرة بن عوف الحمرى الدوسي، الملقب بالملك الناصر صلاح الدين، وهو من أصل كردي.
ولد فى تكريت شمالى العراق عام 532هـ/1138م، عندما كان والده وعمه بها، والظاهر أنهم ما أقاموا بها بعد ولادة صلاح الدين إلا مدة يسيرة، فقد رحلوا عن تكريت فى بقية سنة 532هـ التى ولد فيها صلاح الدين أو فى سنة 533هـ، وأقاما عند "عماد الدين زنكي" بالموصل، وعندما استولى عماد الدين زنكى على دمشق وبعلبك، فرتب فيها نجم الدين أيوب، والد صلاح الدين، وذلك فى أوائل سنة 534هـ.
ولما ملك نور الدين محمود ابن عماد الدين زنكى دمشق، لازم نجم الدين أيوب خدمته وكذلك ولده صلاح الدين، فنشأن وشب صلاح الدين فى بلاط نور الدين محمود، وكانت مخايل السعادة عليه لائحة والنجابة تقدمه من حالة إلى حالة ونور الدين يرى له ويؤثره ومنه تعلم صلاح الدين طرائق الخير وفعل المعروف والاجتهاد فى أمور الجهاد.
إن المصادر حول حياة صلاح الدين خلال هذه الفترة قليلة ومبعثرة، لكن من المعروف أنه عشق دمشق عشقًا شديدًا، وتلقى علومه فيها، وبرع فى دراساته، حتى قال عنه بعض معاصريه أنه كان عالمًا بالهندسة الإقليدية، والرياضيات، وعلوم الحساب، والشريعة الإسلامية. إلا أنه كان أكثر شغفًا بالعلوم الدينية والفقه الإسلامى أكثر من العلوم العسكرية خلال أيام دراسته. وبالإضافة إلى ذلك، كان صلاح الدين ملمًا بعلم الأنساب وتاريخ العرب والشعر، كما أحب الخيول، وعرف أنقى سلالاتها دمًا.
صلاح الدين يشترك مع عمه فى الحروب
لقد تأثر صلاح الدين بشجاعة عمه أسد الدين شيركوه، وتعلم منه خوض المعارك وقيادة الرجال، وعندما قرر نور الدين محمود الاستيلاء على مصر، ليتقوى بمواردها فى حرب مقبلة ضد الصليبيين، فانتدب أسد الدين شيركوه لهذه المهمة.
وقد قرر أسد الدين أن يشارك ابن أخيه صلاح الدين ليكون مساعدًا له فى هذه المهمة المشرفة، بعد أن خبر فيه مزايا كبار الأبطال.
وبالفعل رافق صلاح الدين عمه فى الحملات التى قام بها ضد الفاطميين فى مصر خلال سنوات 1164م و 1167م و 1168م، وانتهى أمر هذه الحملات بتولية شيركوه منصب الوزارة فى عهد الخليفة الفاطمى "العاضد".
وعندما توفى شيركوه خلفه صلاح الدين فى منصب الوزارة عام 564هـ/1169م، وهو فى الحادية والثلاثين من عمره. وقد حكم مصر بصفته تابعًا لنور الدين، وليس باسم الخليفة الفاطمي. واستطاع فى أولى سنى توليه الوزارة الانتصار على الصليبيين قرب دمياط، عندما قام “عموري” ملك القدس الصليبى بالزحف لاحتلال مصر من ناحية دمياط فى عام 565هـ/1169م، فتمكن صلاح الدين من التصدى له وهزيمته، وقد أدى هذا الانتصار إلى زيادة نفوذ صلاح الدين فى مصر، وتعزيز مكانته فيها.
القضاء على الدولة الفاطمية
كانت الدولة الفاطمية فى تلك الأثناء فى طور الاحتضار، فقام صلاح الدين بالقضاء عليها قضاء رحيمًا، وأمر الخطباء أن يخطبوا فى المساجد باسم الخليفة العباسى المقيم فى بغداد، وفى هذه الأثناء كان الخليفة الفاطمى مريضًا، فوافاه الأجل المحتوم دون أن يعلم بزوال دولته.
تأسيس الدولة الأيوبية
أخذ صلاح الدين يقوى مركزه فى مصر بعد إسقاط الدولة الفاطمية، ويسعى من أجل الاستقلال بها، فعمل على كسب محبة المصريين، وأسند مناصب الدولة إلى أنصاره وأقربائه، وأزال أصول المذهب الشيعى ومظاهره، كما أسس مدرستين كبيرتين هما المدرسة الناصرية، والمدرسة الكاملية حتى يُثبت المذهب السنى فى مصر، وكانت هاتان المدرستان تُلقنان علوم الشريعة وفق المذهبين المالكى والشافعى.
وعندما توفى نورد الدين محمود فى شوال 569هـ/مايو 1174م، أصبح صلاح الدين هو سيد مصر الأوحد بشكل فعلي، واستقل عن كل تبعية سياسية، وأصبح رأس أقوى سلالة إسلامية حاكمة فى ذلك الوقت، وهم الأيوبيين، وأصبحت مصر والمناطق التابعة لسلطانه وسلطان خلفائه تعرف بالدولة الأيوبية.
امتاز صلاح الدين بتمسكه بمبدأ الوحدة، فقد حرص على أن يوحد البلاد العربية ويطهرها من الدخلاء، وسنحت الظروف لصلاح الدين بالبدء فى تحقيق فكرته عندما توفى نور الدين، فاعتبر صلاح الدين نفسه الوريث الروحى لدولة الشام، فعل بين سنتى 1174 و 1187 على جمع البلدان تحت رايته. وكانت أولى جهوده الضرب على أيدى ذوى المصالح الشخصية حتى يمهد السبيل لمواجهة الصليبيين، ثم شيد قلعة صلاح الدين على جبل المقطم عام 1176، وعرفت بقلعة الجبل. وكان فى تلك الأثناء قد فتح اليمن وفلسطين، واستولى على دمشق وحلب فى حربه ضد الحشاشين.
حروبه مع الصليبيين
إن المكانة الكبرى التى حققها صلاح الدين لنفسه فى التاريخ جاءت نتيجة موقفه الحازم من الصليبيين، وكانت المعركة الكبرى الفاصلة بين صلاح الدين والصليبيين هى موقعة حطين ربيع الآخر 583هـ/ يولية 1187م، حيث استطاع صلاح الدين هزيمة الصليبيين هزيمة نكراء، وقام بعدها بتحرير بيت المقدس من يد الصليبيين، كما حرر الكثير من مدن الساحل.
على أثر انتصارات صلاح الدين دعا بابا روما جريجورى الثامن ملوك أوروبا بالقيام بحملة صليبية جديدة لمواجهة صلاح الدين واستعادة بيت المقدس من قبضته، وبالفعل جاءت الحملية الصليبية الثالثة بقيادة “ريتشارد قلب الأسد” ملك انجلترا بعد عامين من حطين دون أن يظفر قلب الأسد باسترجاع بيت المقدس.
وانتهى القتال بين الفريقين بصلح الرملة عام 588ه/1192م، وبمقتضاه لم يبق فى أيدى الصليبيين سوى شريط ساحلى يمتد بين صور ويافا. وهكذا كانت حروب صلاح الدين بداية النهاية للغزوات الصليبية، فقد كان لها من الضربات القوية ما جعلها تتحول من الهجوم إلى الدفاع عما تبقى لها من ممتلكات متناثرة تعرضت للانحلال والذبول.
وفاته
عقب قيام صلاح الدين بعقد صلح الرملة ورحيل ريتشار قلب الأسد إلى انجلترا، أصيب صلاح الدين بمرض “الحمى الصفراوية” فى صفر 589هـ/ فبراير 1193م، وأخذ المرض يشتد ويزيد، حتى توفى فى يوم الأربعاء 27 صفر 589هـ الموافق 4 مارس 1193م، فأفجع موته المسلمين عمومًا، ودفن بعد صلاة عصر ذلك اليوم فى المدرسة العزيزية قرب المسجد الأموى فى دمشق.
لافته صلاح الدين الأيوبى