تمر، اليوم، الذكرى الـ140 على احتلال الأسطول الإنجليزى لمدينة الإسكندرية وتدمير قلاعها، بعدما تم قصف المدينة فاضطرت إلى التسليم ورفع الأعلام البيضاء، واضطر الزعيم أحمد عرابى إلى الانسحاب بقواته إلى كفر الدوار وإعادة تنظيم جيشه، وذلك فى 12 يوليو عام 1882.
وتعرضت مدينة الإسكندرية للخراب إثر القصف الإنجليزى، وكان من ضمن تسبب في هذا الدار هو الحريق الكبير التي تعرضت لها المدينة، وذكره عدد من المؤرخين باسم "حريق الإسكندرية".
المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعى، تحدث في كتابه "الزعيم الثائر أحمد عرابى" عن حريق عروس البحر المتوسط، قائلا: وكان في مقدور الحامية أن تصدهم عن النزول إلى البر وتدافعهم لو حاولوا النزول، ولكن العرابيين لم يفعلوا شيئًا من ذلك؛ لأنهم لم تكن لديهم قيادة صالحة تدبِّر الخطط المحكمة للقتال، فآثروا الانسحاب من الإسكندرية، ورأوا أن يتذرَّعوا بكل وسيلة لتعطيل احتلال الإنجليز للمدينة واستقرارهم فيها، فأمر سليمان سامي داود قائد الآلاي السادس جنوده بإضرام النار في المدينة، لكي يحُول الحريق دون نزول الإنجليز بها واتخاذها قاعدة حربية لزحفهم، فشبَّت الحرائق الهائلة يوم الأربعاء 12 يوليو سنة 1882.
وبدأ إضرام النار في نحو الساعة الثانية بعد الظهر، وأخذ يمتد حتى صارت الإسكندرية شعلة من النار مساء ذلك اليوم، واستمرت النار تضطرم فيها إلى اليوم التالي.
كان هذا الحريق من الوجهة العسكرية عملًا عقيمًا؛ لأنه لم يعطل نزول الجنود الإنجليزية إلى البر فقد نزلوا في صبيحة اليوم التالي، واشترك في الحريق بعض الأوروبيين، وبخاصة من الأروام والمالطيين الذين بقوا في المدينة بعد هجرة معظمهم، وكانوا يقصدون من ذلك المطالبة بالتعويضات بعد انتهاء الحرب، كما اشتركوا أيضًا في النهب.
ويقول جون نينيه عميد الجالية السويسرية وكان شاهد عيان لهذه الحوادث: إن الحرائق الأولى شبَّت في الأحياء الأهلية من قنابل الأسطول الإنجليزى يوم الضرب، وكان الحريق الذي أمر به سليمان سامي داود على غير رأي عرابي والوزراء، فانفرد بإحداثه سليمان داود قائد الآلاي السادس، الذي كان مشهورًا بالتهور والحمق، وكان يعتبر نفسه عرابي آخر بالإسكندرية، وقد صمَّم على ألَّا ينسحب الجيش من الإسكندرية إلا بعد أن يجعلها خرابًا، وهذا يدلُّك على تشعب آراء العرابيين وعدم وجود وحدة في قيادتهم؛ لأن عملًا خطيرًا كحريق الإسكندرية ما كان يجب أن يحدث إلَّا إذا صدرت به الأوامر مجمعة من قيادة الجيش، ولكن الواقع أن عرابي لم يكن له دخْل فيه، ولما وقع لم يستطع أن يمنعه.
واستقر رأي عرابى وصحبه على الانسحاب من الإسكندرية ثاني يوم الضرب، فأخذ الجيش يخليها يوم الأربعاء 12 يوليو، وفي مساء ذلك اليوم غادرها عرابي ووصل إلى "حجر النواتية" على ترعة المحمودية بعد الغروب وقضى الليلة هناك، وفي الصباح ركب رفاصًا سار به في الترعة حتى وصل إلى "عزبة خورشيد" ومنها إلى "كنج عثمان" بالقرب من كفر الدوار، وهناك أمر بإنشاء الاستحكامات وهي التي اتخذها الجيش المصري معسكرًا له، وعرفت بمعسكر كفر الدوار. واتخذ عرابي عزبة "كنج عثمان" مقرًّا لقيادة الجيش، وفي صباح يوم 13 يوليو تحقق الأميرال سيمور من انسحاب العرابيين، وأنه لم يبقَ منهم أحد في المدينة، فأنزل كتيبة من جنوده البحارة واحتلوا سراي رأس التين وشبه جزيرة رأس التين.