بيشوى رمزى

"قمة جدة".. رؤية مصرية تتجاوز الزمن والجغرافيا

الأحد، 17 يوليو 2022 04:09 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
محاور عديدة تناولتها كلمة مصر، التي ألقاها الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام قمة جدة، تعكس العديد من الأبعاد، ربما أبرزها قوة الموقف العربي، بعد سنوات من الانقسام، بلغت ذروتها إبان العقد الماضي، مع اندلاع ما يسمى بـ"الربيع العربي"، وهو ما يمثل الثمرة الأهم للدبلوماسية التي انتهجتها الدولة المصرية، خلال السنوات الماضية، عبر تحالفات عديدة، كان أهم ما يميزها هو قابليتها للامتداد جغرافيا، لنجدها على الصورة التي تمخضت عنها القمة العربية الأمريكية، في ظل وجود دول مجلس التعاون الخليجي، إلى جانب مصر والأردن والعراق، والتمدد إلى خارج النطاق الإقليمي، في ظل وجود الولايات المتحدة، والتي تسعى جاهدة إلى إعادة حشد حلفائها بعد سنوات من انفراط عقدهم، إثر مرحلة الفوضى، ناهيك عن تحركات واشنطن نحو تصعيد قوى إقليمية جديدة لقيادة المنطقة على حساب الدول العربية الرئيسية.
 
ولكن بعيدا عن توحيد المواقف العربية، والتي سبق وأن تناولتها في مقالات سابقة دارت في معظمها حول "ثلاثيات" الدبلوماسية المصرية، تبقى المحاور الخمسة، التي تناولها الرئيس السيسي بمثابة اختراق مهم، في ظل إبراز حالة من الارتباط بين قضايا المنطقة، بعيدا عن محاولات دولية حثيثة لتفتيتها، عبر إثارة تهديدات جديدة، ربما تمثل أولوية في الأجندة العربية على حساب قضايا أخرى، وهو ما بدا بوضوح خلال حقبة "الربيع العربي"، عندما باتت ميليشيات الإرهاب تهديدا حقيقيا، للأمن الداخلي، لكل دولة، وبالتالي فأصبح بمثابة الأولوية لدى الحكومات العربية، لتتوارى ورائه القضايا الجمعية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وهو ما يصب بطبيعة الحال في خدمة أطراف دولية بعينها.
 
إلا أن الرؤية الإقليمية التي تبنتها مصر، ربما حملت في طياتها أبعادا تتجاوز في أهميتها كل قضية على حدة، حيث يبقى التعامل مع قضايا الماضي، مرتبطا بالحاضر وأزماته، في إطار تجاوز الزمن، وبالتالي فحالة الاستقرار تبقى مرتبطة بما يمكننا تسميته بـ"حزمة" من الحلول، دون أولوية لقضية بعينها على حساب الأخرى، وهو ما يبدو في الانتقال السلس بين ثلاثة أبعاد مترابطة، بدءً من استقرار الداخل، في كل دولة عربية، من خلال إرساء مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة والمواطنة، ومرورا بالاستقرار الإقليمي، من خلال مواصلة الحرب على الإرهاب ودحض الميليشيات وتفعيل الأمن القومي العربي، ناهيك إيجاد حلول جذرية للقضايا طويلة الأمد، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، بينما تجاوزت رؤية الدولة المصرية نطاق الجغرافية الإقليمية، نحو أزمات أكثر امتدادا ترتبط في حقيقتها بالاستقرار العالمي، وعلى رأسها أمن الغذاء والطاقة، وهو ما يمكن تحقيقه عبر التعاون وتنويع الشراكات، ناهيك عن الأزمات المستحدثة، وعلى رأسها ظاهرة التغيرات المناخية، والتي تمثلا تحديا جديدا يبدو من الصعب التنبؤ بتداعياته إذا لم يتم اتخاذ خطوات جدية لمجابهته.
 
حالة الارتباط التي تحققت في إطار الرؤية المصرية على المستوى الإقليمي، ربما تمثل امتدادا للعديد من الخطوات التي اتخذتها الدولة في السنوات الأخيرة، في الداخل، ربما أبرزها دحض الإرهاب، ليس فقط على المستوى الأمني، وإنما عبر نهج متكامل يحمل جانبا فكريا وأخر اقتصاديا، من خلال مشروعات عملاقة من شأنها توظيف قطاع كبير من المستهدفين، من قبل الميليشيات المتطرفة، بينما تحمل هذه المشروعات عنصر الاستدامة، من خلال مراعاة المعايير البيئية، ناهيك عن التركيز على قطاعي الطاقة، من خلال الاستفادة من موارد الدولة فيما يتعلق بالغاز الطبيعي، والغذاء، عبر زيادة الرقعة الزراعية لتحقيق الاكتفاء الذاتي، ثم الانتقال إلى حوار وطني، مع كافة عناصر المعادلة السياسية والمجتمعية في الداخل المصري، مما يساهم في تحقيق الاستقرار والحفاظ على وتيرة التنمية.
 
وهنا نجد أن ثمة انسجام بين الرؤى المصرية، في الداخل والخارج، تعكس قدرة كبيرة على المساهمة في حل العديد من الأزمات الإقليمية والدولية، تجاوزت من خلالها الدولة المصرية مسألة القيادة الإقليمية إلى القيام بدور دولي أكبر، وهو ما تجلى في العديد من المشاهد، ربما أبرزها اختيار مصر لاستضافة قمة المناخ، فيما يعد بمثابة شهادة دولية مهمة على الدور الكبير الذى تلعبه مصر في هذه القضية المحورية عبر مشروعاتها في الداخل، وقدرتها على تعميم تجربتها في النطاق الإقليمي، بما ينعكس إيجابا على المستوى العالمي، مع تفاقم الخلافات بين دول العالم المتقدم والنامي، فيما يتعلق بمسألة الالتزام بتقليص انبعاثات الكربون.
 
وهنا يمكننا القول بأن أهم ما يميز الرؤية التي تبنتها مصر خلال "قمة جدة"، هو تجاوزها للنطاق الجغرافي الإقليمي، لتتحول نحو إبراز حقيقة مفادها أن أزمات الإقليم باتت ترتبط مباشرة بأزمات العالم، وأن الاستمرار في تجاهل شواغل المنطقة صراعاتها، سوف ينعكس سلبا على العالم بأسره، وهو ما تجلى في العديد من الشواهد خلال السنوات الماضية، وبالتالي تبقى الحاجة ملحة لرؤية دولية مختلفة لتلك المنطقة وأزماتها.
 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة