ربما ارتبطت حياة المصريين بثقافات معينة، توارثوها عبر الأجيال المتواترة، في مختلف مجالات الحياة، تراوحت بين التعليم والعمل، مرورا بالإنجاب، والوضع الاقتصادي للمواطن، وحتى متطلباته اليومية من سلع ومواصلات وغيرها، إلى الحد الذى أصبحت فيه الحكومات المتعاقبة مسؤولة بشكل تام عن تقديم "حياة مجانية" لمواطنيها بدءً من رغيف الخبز المدعوم، وحتى تخرج الأبناء والأحفاد من الجامعات، بل وتوظيفهم، وتوفير الإمكانات لتزويجهم، حتى تبدأ حياتهم، وبالتالي الدوران مجددا في نفس الفلك الذي استمر لسنوات طويلة، ربما ثقلت كثيرا على الدولة، إلى الحد الذي باتت معه عاجزة عن تحقيق العديد من المفاهيم، القائمة على التكافؤ أو الإنتاج أو الاكتفاء الذاتي، في ظل اعتماد ما يمكننا تسميته بـ"سياسة الدعم" الذي لم يقتصر على فئة معينة أو مجالات بعينها، وإنما امتد إلى كافة المجالات، بصرف النظر عن التكلفة المترتبة على دعمها، أو الفئات، بعيدا عن مدى أحقيتهم بالحصول على دعم الدولة.
وهنا تجلت أحد أكبر المعضلات التي واجهتها "الجمهورية الجديدة"، حيث تبقى سياسة "الدعم" الكامل والشامل، بمثابة أحد أبرز التحديات، خاصة وأنها تبقى "إرثا" طويل المدى، فشلت الحكومات على مدى عقود طويلة في تقويضه، سواء من أجل البقاء في صدارة المشهد، أو لتحقيق الاستقرار "الشكلي"، في ظل حالة من "الثبات"، أو بالأحرى "السبات"، جراء العجز الكامل عن تحقيق أية إنجازات على صعيد كافة المجالات، بدءً من التعليم مرورا بالصحة ناهيك عن البنية الأساسية، وغيرها، بسبب ضياع المليارات، من ميزانية الدولة، في إطار السياسات التقليدية في هذا الإطار، ليتحقق في نهاية المطاف ما يمكننا تسميته بـ"المساواة" السلبية، فلا مجال للكفاءات، في الحصول على مزايا تعليمية، بينما لا توجد هناك فرصة للمنافسة بين العاملين في مختلف القطاعات، لتحقيق المزيد من الإنجاز، فيما يتعلق بالإنتاج، لأن الجميع متساوون، فالأكفاء لن يحصلوا في النهاية على مزايا، بينما المتقاعسون لن يجدون ردعا.
النهج الذى اتخذته "الجمهورية الجديدة" ارتكز في الأساس على تحويل صورة الدعم، عبر مسارين، أولهما يتعلق بتحديد الفئات التي تستحقه في صورته "العينية"، من خلال تقديم منتجات وخدمات شبة مجانية، وهم محدودي الدخل، وبالتالي اقتصاره عليهم، بينما يقوم المسار الآخر على فكرة الإنجاز، والكفاءة، فأصبح الدعم في جزء منه عبارة "مزايا" أو بالأحرى "مكافأة" تقدمها الدولة لمن يستحق، من الأكفاء، الذين ينبغي تطويرهم وتطوير أعمالهم، سواء من المتفوقين فى مجال التعليم، أو الإنتاج، سواء كان زراعيا أو صناعيا، حتى يمكنهم تحقيق أكبر قدر من الإنجاز، بينما اتجه في جزء أخر، نحو إصلاح بعض القطاعات، على غرار التعليم، عبر التركيز على الجانب التكنولوجي والفني، من أجل إعداد الكوادر التي يمكنها تحقيق متطلبات السوق، مع التحول الكبير في مجالات بعينها، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي.
فلو نظرنا إلى التعليم، باعتباره أحد القطاعات الحيوية، التي تشهد تغييرا كبيرا، سواء على مستوى المناهج أو الرؤية، نجد أن الحقيقة التي لا مفر منها، تتجسد في أن التغيير الذي تتبناه الدولة، من أجل تحقيق التطوير الذى نتطلع إليه، عبر تغيير السياسات، يتطلب في المقابل تغييرا في ثقافة المواطن، عبر إدراك متطلبات سوق العمل في السنوات القادمة، وكيفية الخروج بأبنائهم من "التابوهات" التقليدية، على غرار التصنيفات القديمة للكليات بين قمة وقاع، وأسلوب الحفظ والتلقين، والسعي المتواصل نحو طريق الشهادة، كسبيل وحيد لتحقيق "الوجاهة" الاجتماعية، بصرف النظر عن جدواها فيما بعد مع مواجهة الأبناء للحياة العملية، وهو ما ترجمته كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسي، حول استعداد الدولة تقديم المليارات لدعم الدارسين الذين يمتلكون المقومات لدراسة العلوم التكنولوجية المتطورة.
وهنا يمكننا القول بأن الحديث عن فكرة إلغاء الدعم، هو محض كذب، وإنما يقوم التوجه الذي تتبناه "الجمهورية الجديدة"، في إدارتها لهذا الملف، على ما يمكننا تسميته بـ"تحويل المسار"، ليصبح في حقيقته مرتبطا بالإنجاز، ودافعا نحو التطوير، سواء في قدرات المواطن، عبر الإنجاز، في إطار من "التمييز الإيجابي"، أو في مختلف قطاعات الدولة، من خلال تطويرها من حيث إمدادها بما تحتاجه من إمكانات مادية أو بشرية، لتكون مؤهلة على تحقيق أكبر قدر من المكاسب، ومجاراة الواقع الحالي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة