تزامن ملفت بين الاحتفال بذكرى ثورة 30 يونيو، واقتراب لحظة انطلاق الحوار الوطني، والذي يمثل علامة فارقة، في تاريخ "الجمهورية الجديدة"، خاصة وأن يمثل حلقة مهمة من مسلسل "التنمية المستدامة"، والتي كانت بمثابة أحد أهم وأسمى الأهداف التي ترجمتها الدولة المصرية في السنوات الماضية، في صورة مشروعات تنموية عملاقة، تحقق مفهوم النمو الاقتصادي، بصورته التقليدية، جنبا إلى جنب مع مراعاة المعايير البيئية الهامة، ناهيك عن التركيز على التوسع الكبير في رقعة تلك المشروعات على النطاق الجغرافي، حيث لم تعد تقتصر على العاصمة أو بعض المدن هنا أو هناك، وإنما امتدت إلى كافة محافظات الجمهورية، وكذلك التوسع الكبير في المجالات المستهدفة، بدءً من تطوير قناة السويس، والعديد من القطاعات الحيوية الأخرى، سواء الكهرباء أو الطاقة أو النقل، أو الزراعة وحتى الصناعة، في انعكاس صريح لحالة من العمومية التنموية.
ولعل الحوار الوطني هو أحد أهم أضلاع التنمية المستدامة، والتي تقوم على العديد من الأبعاد، التي لا تقتصر على مجرد أرقام "صماء"، لتقييم الوضع الاقتصادي الحالي، وإنما تمتد إلى عنصر الاستدامة، والذي يقوم في الأساس على الحفاظ على مقدرات الدولة، وإمكاناتها لضمان الاستفادة منها للأجيال القادمة، في إطار المعايير سالفة الذكر، بالإضافة إلى تحقيق عنصر الديمقراطية التشاركية، باعتبارها ضمانا مهما للاستقرار السياسي والمجتمعي، وبالتالي تجنب الأسباب التي قد تؤدي إلى الفوضى وعدم الاستقرار المجتمعي، والتي تمثل الخطر الأكبر على أي عملية تنموية يمكن للدولة أن تحققها، وهو ما ظهر عمليا خلال العقد الماضي، إبان ما يسمي بـ"الربيع العربي"، والذي وضع بلدان المنطقة على حافة الحروب الأهلية، والتي سقطت بعض الدول في مستنقعها فعليا، لتقوض في نهاية المطاف أي أمل من شأنه تحقيق طموحات شعوبهم في مستقبل أفضل.
ولكن المفارقة الجديرة بالاهتمام، هي أن الحوار الوطني يبقى أول ثمرات 30 يونيو، بل وأنه استبق، في حقيقة الأمر قرار "الخلاص" الذي أعلنه بيان 3 يوليو، والذى كان بمثابة "ثمرة" حوار، جمع قادة القوات المسلحة، مع القيادات الدينية، جنبا إلى جنب مع الشباب والمرأة، وممثلي الأحزاب السياسية باختلاف توجهاتها وأيديولوجياتها، حيث توجهت الدعوة إلى جميع أطراف المعادلة السياسية والمجتمعية في مصر، دون استثناء، في الوقت الذي قرر فيه طرف بعينه إقصاء نفسه، بمقاطعة الحوار أولا، ثم التوجه نحو نهج يقوم على ترويع الآمنين وإرهاب المواطنين، في انعكاس صريح لحالة من الانعزال عن الواقع، التي كانت، وماتزال تعيشها تلك الجماعة، التي كتبت لها الأقدار أن تحكم أحد أعرق دول العالم من حيث الحضارة والتاريخ، في غفلة من الزمن.
الحوار الوطني كان الطريق نحو نجاح الثورة التي شارك بها ملايين المصريين، في 30 يونيو، بينما كان الهدف الرئيسي من ورائها، حيث كان إجراؤه في 3 يوليو يمثل استجابة كبيرة للمطالب التي رفعها الثوار آنذاك، ليضع بذلك دستور "الجمهورية الجديدة"، والطريقة التي سوف تدار بها، عبر حوار "وطني"، يشمل كافة أطراف المعادلة المصرية، سواء سياسيا أو اجتماعيا، أو دينيا، بالإضافة إلى إشراك كافة الفئات، سواء كانوا رجالا أو نساءً، ليضاف إليهم بعد ذلك بعض الفئات المهمشة، وعلى رأسهم ذوى الهمم، ليكونوا طرفا فاعلا في رسم صورة المستقبل للدولة المصرية، بعد سنوات الفوضى.
وهنا يمكننا القول بأن الحوار الوطني لم يتأخر في إطار عمل "الجمهورية الجديدة"، وإنما استبق ميلادها، ليقدم لها غطاء الشرعية، الذي حقق لها البقاء والانتصار، ليسطر من وراءه مسلسل من الحوارات، مع الكثير من الفئات، المجتمعية التي عانت تهميشا طال لعقود طويلة من الزمن، ليصبح الإعلان عن الحوار الوطني هو بمثابة ثمرة لكافة الخطوات السابقة، والتي انطلقت فعليا قبل ساعات من بيان 3 يوليو.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة