محمد أحمد طنطاوى

الأزمة الاقتصادية العالمية وخلل ترتيب الأولويات

الخميس، 18 أغسطس 2022 12:16 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كلما تابعت تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية ومعدلات التضخم المرتفعة، التي تجتاح أغلب الدول، وتتجلي قوتها في أوروبا وأمريكا في الوقت الراهن، كلما تأكدت من مستويات الخلل في ترتيب الأولويات، التي تعاني منها أغلب دول العالم، التي أتصور أن سببها الرئيسي مستويات الرفاهية المرتفعة، والتطور التكنولوجي غير المسبوق، الذى تراجعت معه فكرة الإنتاج، وتقلصت فرص العمل، واختلفت تطلعات الناس، بصورة جعلت اهتماماتهم مرتبطة بالرفاهية والترف أكثر منها إلى السعي والإنتاج، وتحولت معها شركات صناعية عملاقة من المكسب إلى الخسارة في مواجهة " تطبيقات على الموبايل"، التي تقدم خدمة البحث عن سيارة أو شراء الألعاب.

وزارة العمل الأمريكية، ذكرت في تقرير لها قبل عدة أيام أن  إنتاجية العامل هبطت بشدة في الربع الثاني من العام الجارى، وسجلت انخفاضاً قياسياً على أساس سنوي، وتراجعت خارج القطاع الزراعي بنسبة  4.6 % مقارنة بالعام الماضي، ومن أمريكا إلى ألمانيا الدولة الصناعية الأولى في أوروبا، أظهرت دراسة أجراها المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية أن برلين ينقصها أكثر من نصف مليون عامل ماهر في قطاع العمل الاجتماعي والتعليم والرعاية والحرف وتكنولوجيا المعلومات.

ووفقاً للدراسة المذكورة، فقد بلغ نقص الأيدي العاملة الماهرة في المتوسط خلال الفترة من يوليو 2021 إلى يوليو 2022 حوالي 540 ألف عامل ماهر في جميع القطاعات الألمانية، في الوقت ذاته لا يختلف الوضع كثيراً في  فرنسا، التي تعاني منذ سنوات عديدة أزمة كبيرة في نقص العمالة المدربة، وكذلك بريطانيا، وأغلب دول أوروبا، وهذا يشير بصورة واضحة إلى مشكلة الأولويات التي نتحدث عنها وتتشابه فيها أغلب دول العالم، فالكل يطمح إلى رفاهية بدون عمل، وجودة حياة مجانية دون أن يدفع الثمن.

الدول النامية والفقيرة تدفع الفاتورة مضاعفة، نتيجة ما يدور في العالم من أزمات اقتصادية وسياسية، فمع ارتفاع معدلات البطالة، وزيادة شبح النمو السكاني بصورة متسارعة ووتيرة مفزعة، ومستويات الرفاهية المستوردة التي نهرول نحوها جميعاً دون هدف، ندفع ثمنها في شكل إغراق وواردات من كل دول العالم، وسلع استهلاكية تبدأ من غذاء القطط والكلاب، حتى السيارات الفارهة، التي باتت أعدادها في الدول الفقيرة أكبر من تلك التي تصنعها، وهذا بدوره يعيدنا إلى القضية الأساسية وهى خلل منظومة الأولويات لدى المستهلك، الذى باتت مستويات طموحه أعلى من المتاح، وأكبر من الإمكانيات والموارد الموجودة.

لا أعرف كيف ينتصر العالم على أزمة التضخم الحالية، دون استدعاء  روح المواطن الذى يدرك قيمة العمل، الذى يعرف التجربة الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، وخطة مارشال وكيف أعيد بناء أوروبا بالكامل عقب الحرب، على رأسها ألمانيا، التي كان المواطن الألماني مثالاً في التفاني والعطاء والعمل على إعمار بلده من جديد، بعدما كانت أكواما من الطوب والرمال، تملأها رائحة البارود، وتحيطها القذائف الفارغة، لذلك يجب أن نتنبه لما يدور حولنا، ونستوعب الدرس جيداً، ونتعلم من كل التجارب السابقة، حتى لا تقودنا الأزمة الاقتصادية إلى كارثة إنسانية أشد عنفاً .

يجب إعادة ترتيب أولويات المواطن في مصر بالصورة التي تتناسب مع طبيعة المرحلة الراهنة، وعلينا أن نفكر  بالصورة التي تخدم مستقبل هذا البلد، وتخرج بنا من تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية، وهذه الأولويات يجب أن تبدأ بالتخلي عن الأفكار المستحدثة، ونعيش فلسفة المثل المصرى القديم : "على أد لحافك مد رجليك".







مشاركة



الموضوعات المتعلقة




الرجوع الى أعلى الصفحة