ليس هناك أهم من مستقبل أبنائنا، قضية يفترض أن تفرض نفسها على المجتمع، خاصة ونحن فى بداية موسم يتجدد فيه النقاش، والتساؤلات حول المستقبل والخيارات الأفضل لطلاب الثانوية، بشكل يصنع قناعات فى اختيار الطريق الذى يسلكونه فى الجامعة حتى يمكنهم أن يحصلوا على فرصة للعمل والترقى.
وحتى الآن لا توجد وصفة جاهزة لرسم خارطة المستقبل لشاب فى مقتبل حياته بعد الثانوية، لدينا عشرات الجامعات العامة والخاصة، التى تسوق لنفسها، باعتبارها تقدم مناهج وساعات دراسية تتيح لخريجيها فرصا أفضل فى سوق العمل بالداخل والخارج من خلال نظام ساعات معتمدة تمزج بين المناهج التعليمية والمهارات، وتنمية القدرات فيما يتعلق بالتقنيات الحديثة، والذكاء الاصطناعى الذى يدخل فى كل التخصصات، وأيضًا مع عمليات الرقمنة والتحديث، هناك وظائف سوف تختفى، وأخرى مطلوبة، بل حتى المجالات المتعلقة بالطب والهندسة والتعليم والخدمات، والزراعة والصناعة والنقل، والتجارة والبيع والشراء كلها تدخل فيها التكنولوجيا، مما يقلل دور العنصر البشرى، ويخلق نوعا من فرص العمل فى الرقابة والجودة والمتابعة.
حتى الموظف التقليدى يجب أن يطور إمكانياته وقدراته على استخدام التكنولوجيا، خلال فترة قصيرة سوف يقلص الذكاء الاصطناعى من عدد الموظفين ويسهل تقديم الخدمات.
وخلال عدة مؤتمرات للتعليم العالى والبحث العلمى، تحدث الرئيس عن تخصصات مطلوبة لسوق العمل وعمليات التنمية الجارية، وبالتالى فإن أى عمل أو دراسة سوف تكون مرتبطة بالتعامل مع التكنولوجيا والأدوات الحديثة، وبالتالى فإن دراسة وفهم هذا الواقع يفرض على الشباب تحديد اختياراتهم بما يتيح لهم فرصا أفضل.
وهناك حاجة لحوار مجتمعى ومع الخبراء لشرح طبيعة التحول فى المجتمع، وكيفية تحديد اختيارات الشباب بما يناسب قدراتهم، ويرضى طموحاتهم، مع فتح أبواب التدريب والتطوير والبحث، كجزء من التعليم المباشر، وهو أمر يفترض أن يشغل مساحة من حوار واسع، حتى لا نبقى عند نقطة يتكدس خريجون بلا عمل، وتتكدس وظائف بلا موظفين، وحتى يمكن أن تكون عملية تطوير وتحديث للتعليم فى إطار هذا السياق وخرائط المستقبل.
وإذا كان المصريون يبذلون كل جهدهم، لينفقوا على تعليم أبنائهم، فإنهم يأملون بعد كل هذا المشوار أن يجد أبناؤهم وبناتهم مكانا لائقا يلبى طموحهم، فى سوق عمل يتغير ويفرض على الشاب السير فى طريق آخر للتعليم حتى يحصل على فرصة عمل.
وفى الواقع يوفر مكتب التنسيق عدالة شكلية، لا تضمن لخريجى الجامعات أن يحصلوا على مكان أفضل، حيث تخصصات لا يحتاجها سوق العمل وأخرى يحتاجها السوق، وتوفرها الأعمال بالاستيراد، والأفضل هو ربط التعليم بالمهارات التى يضطر الخريج لتحصيلها من كورسات أو تدريبات، وهذا يتطلب أن تكون الشركات والصناعات طرفا فى هذا الحوار، ودعم عمليات التحديث بالشكل الذى يعود عليها بالفائدة، وهو أمر موجود فى كل دول العالم المتقدم، الذى يدعم فيها عالم الأعمال التعليم والتحديث والبحث العلمى.