فى ظل ما يثار حول تراجع الصحافة المكتوبة، وحدها بوابة (اليوم السابع) هى التى تغرد خارج السرب، سواء عبر موقعها الإلكترونى أو تليفزيونها الذى يركز فى تقارير حية من قلب الشارع المصرى المفعم بالشباب والشابات القادرين على تحدى المستحيل.
وقد لفت نظرى مؤخرا، تركيز باب (جدعنة المصريين) على نماذج مشرفة من مصر المحروسة، بينما غالبية فضائياتنا لا تبرز تلك الزهرات اليانعة من فتيات وفتيان أردوا إثبات جدارتهن فى أعمال وتجارب حياتية تفتح بوابات الأمل وتصنع المعجرات وسط ركام الجهل والتخلف الذى أصاب معظم وسائل إعلامنا بالعطب، ومن خلال هذه التقارير الحية التى تتحدث عن جدعنة المصريين النابعة من قصص وحكايات من قلب الشارع المصرى المكتظ بالمواهب وأصحاب التجارب الشخصية بعيدا عن الدوائر الرسمية، ولعله يبدو ملحوظا أن أهلنا الطيبين هم من يدفوعون أبناءهم و بناتهم للاعتماد على أنفسهن، وبجهود بسيطة استطاعوا تحدى المستحيل وتمكنوا من صناعة الإنجاز الحقيقي، فاستحقوا إلقاء الضوء على مشاريعهم وبطولاتهم.
تحية تقدير واحترام لـ (بوابة اليوم السابع وتلفزيونها) الذى يعمل بإمكانات بسيطة بينما تزدحم قنواتنا بالغث تاركة مهمتها لكيانات متواضعة، بينما هم مشغولون بأخبار (الترند) وغيرها من مظاهر (السوشيال ميديا) البغيضة، غير مدركين وظيفتهم فى التوعية والتثقيف وصناعة دراما مفيدة لا تجنح لعرض أسوأ ما فينا بدلا عرض النماذح الإيجابية فى مجتمع هو أحوج لمن يزرع فى نفوس شبابه روح المغامرة والتحدي، وأول تلك التقارير التى لفتت نظرى موخرا واحدا منها بعنوان (الفن لغة عظيمة)، يحمل بداخلة رسائل ومعانى سامية، ودائما ما يعبر الفنان عن رسائلة عن طريق فنة الذى يبدع فيه، ويقوم الرسام بإيصال رسائلة عن طريق رشيتة وأدواتة المستخدمة فى رسم لوحاتة الفنية ، فيحمل داخل لوحاته، ما يكمن فى قلبة وإحساسة، فقد عبرت (روان) أصغر رسامة عن عشقها لفن الرسم، عن طريق رسم البورتريهات واللوحات الفنية المختلفة.
(روان رزق عبدالفتاح)، بنت قرية ميت تمامة بالدقهلية، صاحبة 12 عاما من عمرها، طالبة بالصف السادس الإبتدائي، أصبحت نموذجا لأطفال قريتها، حيث بدأ الكثير من الأطفال وشباب القرية، الاتجاة للرسم بعد معرفتهم لما تقوم به الطفلة الفنانة (روان) ورسمها بطرق وأدوات مختلفة، فقد بدأت (روان) فى الرسم، منذ نعومة أظافرها، حيث لاحظت والدتها موهبتها، وهى فى سن الرابعة من عمرها، بعد رؤيتها تقوم برسم الشخصيات الكرتونية التى تراها، وكانت أول الداعمين لها فى تنمية موهبتها، وقالت (روان) إنها عبرت عن حبها لوالدها، عن طريق رسم بورترية يحمل صورتة إعتزازا وفخرا به، وأكملت (روان): البورترية يحمل معانى كثيرة لحبى لوالدي، أننى ممتنه كثيرا لأسرتى فهم أول الداعمين لى فمنذ رؤيتهم لى وأنا أرسم بدأوا مشاركتى فى الأفكار وتشجيعى وتوفير الأدوات المستخدمة فى الرسم.
وعبرت (روان) عن حبها لوطنها الغالى (مصر)، برسم أول لوحة لها، تحمل عظمة الحضارة المصرية الفرعونية القديمة، ممثلة فى عظمة الأهرامات الثلاثة وتمثال أبوالهول، وقالت (روان) إنها قامت برسم بورترية يحمل صورة كَوكب الشرق وسيدة الغناء العربى (أم كلثوم)، وقامت بالتعبير عن قيمة أم كلثوم بوضع اللون الذهبى فى خلفية البورترية والذى يدل على الصوت والحنجرة الذهبية التى عرفت بها الفنانة الراحلة (أم كلثوم)، وأكملت (روان): أعتز بالمرأة العربية كثيرا وقمت بتنفيذ أكبر لوحة تعبر عن قيمة المرأة العربية وجمالها، وأضافت ألوان وأدوات مختلفة لإظهار روعة وجمال المرأة العربية، إنها طفلة جميلة فى عمر الزهور، لكن حديثها يحمل الكثير من الثقافة والوعى والرقي، ولا يعبر أبدا عن صغر عمرها، فتعد نموذجا إيجابيا للإنسان المصرى الذكى الطموح القابل للتطوير مع ثقتة الكبيرة فى إمكانياتة وقدراتة.
ثانى التقارير التى لفتت نظرى فى باب (جدعنة المصريين)، والذى يضرب مثلا حيا على جدعنة الصعايدة، ورجولتهم فى المواقف، والتى لم تأت من فراغ، حيث قدمت فتاة تدعى (هدى حسن عبد المنعم) البالغة من العمر 31 سنة وحاصلة على دبلوم صنايع تضحية وجدعنة من نوع خاص، حبا فى شقيقها الأصغر منها بـ7 سنوات وقررت أن تنقذ حياته بعدما وصل لمرحلة صحية سيئة بتليف كلية وضمور فى الثانية، وقدمت له كليتها اليمنى على طبق من ذهب تحيطه المحبة والرضا والسرور بوجود شقيقها فى قلب منزلهم البسيط بقرية (العضايمة) التابعة لمدينة إسنا جنوب محافظة الأقصر، انطلاقا من مسئوليتها تجاه أخيها قالت: (الدكتور قاللى هيفضل ياخد جلسات غسيل كلوى مدى الحياة وده صعب جدا عليه، وسألنى تتبرعى ليه بكليتك، قولتله خلاص ماشى شوف الإجراءات وأنا جاهزة).
بتلك الكلمات بدأت الفتاة الأقصرية التى ضحت بكليتها لأجل شقيقها الصغير، حديثها لـ (اليوم السابع) وأكدت أن شقيقها ولد بعيب خلقى منذ طفولته فى الكلى اليمنى واليسرى واحده بها تليف والثانية بها ضمور، وتحتاج لعملية زرع كلى أو إجراء جلسات غسيل كلوى، وبدأت الأسرة البسيطة فى رحلة العلاج منذ طفولة نجلها فى مستشفى أسيوط الجامعى وأطباء فى مدينة إسنا، وبعدها قرروا السفر للقاهرة وهناك الطبيب بعد إجراء الفحوصات الطبية والأشعة اللازمة، أخبرهم بأنه يحتاج لجلسات غسيل كلوى طوال عمره لكى يستطيع أن يكمل باقى حياته.
وأوضحت (هدى) أنها حصلت على دعم كبير من أحد رجال الخير بالقرية والذى بدأ رحلة معها لدق كافة أبواب الخير من الجمعيات الخيرية ومؤسسات المجتمع المدنى لتوفير مبلغ إجراء العملية، مؤكدةً على أنه تم التوصل لإجراء العملية فى مستشفى عين شمس التخصصى بتكلفة بلغت 250 ألف جنيه، والجمعيات الخيرية قدمت لها ولشقيقها دعم كبير بعدما علموا بقصتها، حيث قدمت إحدى الجمعيات الكبرى 75 ألف جنيه، ومؤسسة تنموية قدمت 50 ألف جنيه، وبيت الزكاة والصدقات بالأزهر الشريف قدمت دعم لهم بـ 50 ألف جنيه، وجمعية آخرين 30 ألف بجانب 10 آلاف جنيه من أهل الخير، وبالفعل إنطلقوا فى إجراءات عملية التبرع بكليتها اليمنى وزعها فى جسد شقيقها محمد، وتكلفة العملية 183 ألف جنيه، وتم إجراء تحاليل قبل العملية بـ50 ألف جنيه، وعملية أنسجة بـ15 ألف جنيه، بجانب توفير أهل الخير لهم الدعم بالعلاج على نفقة الدولة 6 شهور كاملة منذ وقت إجراء العملية.
التقرير الثالث: بعنوان (فنان الديجتال)، حيث قال الشاب أحمد عبدالمنعم المعروف بفنان الديجيتال: أنا تخرجت من كلية الهندسة رغم أنى كنت أنوى ألا أستكملها، ولكن دخلت الهندسة إرضاءا لرغبة أهلى، وبعد التخرج عملت رساما كاريكاتيريا فى المجلات، وعملت بالمناهج التعليمية الجديدة على التابلت، وأضاف الشاب أحمد عبدالمنعم خلال اتصال هاتفى ببرنامج التاسعة على القناة الأولى المصرية، قدمت فيديوهات أردت من خلالها أن أثبت أن فن الكاريكاتير والأنيميشن والديجيتال فن راقٍ، وليس فنا معارضا فقط، متابعا، أردت أن أقدم هذا الفن مع شخصيات فنية معروفة، وأكد أن مصر بها فنانين موهوبين ولديهم أفكار جميلة، وحلمى أن يعلم الجميع بالفنانين التشكيليين، وأن ننمى مواهب أطفالنا وأبنائنا بالرسم لأننا سنكتسب منها فلوس كثيرة.
يذكر أن الشاب يدمج الصور بطريقة جديدة ويعيد رسمها لتصبح شخصيات كارتونية ساخرة.
التقرير الرابع بعنوان (ديزل مصر) وقال فيه (أحمد أبو ضياء)، الشهير بـ (ديزل مصر)، أعمل فى مجال النقل، وكنت ساكن أمام سكك حديد مصر خط اسكندرية وأشاهد القطارات وحبيت أوثق تلك القطارات بشكل نماذج حقيقية وأوثقها عن طريق الخردة، وقمت بتصنيع نماذج لقطارات وترام وأتوبيسات النقل العام ونفذت جميع أنواع النماذج من الخردة، وأول ماكيت قمت بتنفيذه كان من علبة معجون أسنان وقمت بفتح شبابيك وجمعت فوارغ علب المعجون وشكلت به قطار طويل، وتابع أنا زوجتى وأولادى نتشارك معا فى تصنيع تلك القطارات باستخدام الخردة، ونعيد تجميع الخردة لتصنيع قطارات ونشترى فقط مواد اللاصق فقط، وامتلكنا 1500 قطار، وشقتى أصبحت عبارة عن أرفف قطارات وأهدينا متحف السكة الحديد عدد من القطع.
التقرير الخامس، والذى يحكى كيف تمكنت الطالبة (هاجر حرب) من تحقيق المركز التاسع على مستوى الجمهورية بالتعليم الفني، وشاركت أيضا فى مسابقة أقامتها وزارة السياحة لتحقق المركز الأول بها أيضا، فى أقل من شهر تتصدر طالبة دمياط منصات التتويج، نعم كانت طالبة مدرسة دمياط الفندقية، كانت سببا فى تكريم المدرسة بعد تحقيقها المراكز الأولى بمسابقات الدولة، أيضا كانت سببا فى اهتمام الكثير من أقرانها بالتعليم الفنى لاسيما مدارس التعليم الفندقية، وهنا تقول (هاجر): (التعليم الفنى أعاد اكتشاف قدراتي، وأسعى إلى تحقيق المزيد من النجاح به)، بدأت طالبة دمياط حديثها بهذه العبارة، لافتة إلى أنها فضلت الالتحاق بالتعليم الفنى وتحديدا الفندقى نظرا لما تكسبه تلك المدارس من مهارات الطلبة.
وأضافت صاحبة المركز التاسع على مستوى الجمهورية بالتعليم الفنى قائلة: (عندما حقت المركز الأول بمسابقة top shif، كان تكريم من نوع خاص)، واستكملت قائلة: (بعد تحقيق المركز التاسع لأوائل الجمهورية فى التعليم الفنى كانت مشاركتى فى المسابقة صعبه جدا، الكل كان ينتظر الفوز بها والحمد لله حققت ما أريد)، وكانت اسرتى كانت الداعم الأكبر لي، لم أجد اعتراض من أى منهم على اختياراتي، (على العكس تماما فقد أتاحوا الفرصة أمامى لتحقيق ما أريد، بكل تأكيد هم أصحاب الفضل علي)، بتلك العبارة أنهت طالبة دمياط حديثها لنا لتوجه رسالتها قائلة: (عليكم جميعا البحث عن أهدافكم، والعمل على تحقيقها، الآن أنا أستعد لإطلاق مشروعى الخاص، وأسعى إلى تعليم الجميع كل ما تعلمته).
أما التقرير السادس والآخير فى سلسلة (جدعنة المصريين) فهو يعكس أصالة المصريين، ففى ظل ظروف الحياة الضاغطة كشف (وائل فرفور) السائق الأمين، تفاصيل إعادة حقيبة بها 150 ألف جنيه، قائلا: أثناء توصيله سيدة برفقتها ابنتها بسيارته الأجرة، عثر بعد مغادرتهما على حقيبة بها أوراق هامة وفيزا بنكية ومبلغ مالى قدره 150 ألف جنيه، ولم يجد أى عنوان أو أوراق يستدل منها على أصحاب الحقيبة لإعادتها إليهم، ومع ذلك فضلت أبحث فى نفس مكان نزول الراكبة فترة طويلة ومفيش فايدة، لدرجة إنى تعبت وقررت أسلم الشنطة لقسم الشرطة وهم يتصرفون فيها بطريقتهم، لكن القدر كان معى و(ظهرت الست وبنتها فى نفس المكان وهما بيدوروا عليها ومش مصدقين إنهم ممكن يلاقوها تانى).
ولفت (فرفور) إلى أنه رغم احتياجه للمال رفض الحصول على أى مكافأة منهم مراعاة لظروفهم، حيث أن تلك الأموال ثمن لعملية جراحية، وأشار إلى أنه عقب اكتشافه للمال صلى المغرب ولم يخبر أحدا خوفا من تدخل الشيطان وقرر إعادة الشنطة إلى أصحابها رغم ظروفه الشخصية، هذه هى أصالة المصريين الذين يتمتعون بالشهامة ونبل الأخلاق فى زمن ضاعت فيه القيم، فليتنا نسلط أضواء كاشفة فى كل فضائياتنا الغارقة فى أمور التفاهة والجرى وراء (الترند) وملا حقة المشاهير والتركيز على فضائحهم بينما على الطرف الآخر هنالك نماذج ناجحة تضرب المثل والقدوة فى الإمانة والإصرار وتحدى المستحيل وتستحق منا نظرة أمل فى رصد تجاربهم الحياتية فائقة الجودة من خلال أعمال درامية تعكس الواقع بجماله ورونقه الأصيل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة