أحمد إبراهيم الشريف

دلشاد.. سيرة الجوع والشبع فى مسقط كما ترويها بشرى خلفان

الثلاثاء، 17 يناير 2023 02:10 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

نقرأ العديد من الروايات والكتب القصصية، بعضها يمر سريعًا فلا يترك أثرًا يذكر ، وبعضها يستقر أثره فى الذهن لا يفارقه، والمعيار فى ذلك هو الصدق، وبالطبع الصدق لا يتعارض مع الخيال، لكنه يرتبط بما يمكن أن نطلق عليه "اكتمال" الحكاية، وقد انتهيت مؤخرا من رواية "دلشاد" للكاتبة العمانية بشرى خلفان، وهى الرواية الفائزة بجائزة كتارا، وكانت ضمن القائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية "البوكر"، وأقول بداية إنها من الروايات التي تبقى.

عندما أقول إن رواية "دلشاد.. سيرة الجوع والشبع" قد أعجبتني فذلك رأي انطباعي، وعليَّ أن أدلل على إعجابي بشكل علمي، لذا سأتحدث عن عدة نقاط استوقفتني فى الرواية.

 

سحر الحكاية وغرابة الشخصيات

 تملك الرواية خيوطًا كثيرة تتشابك وتتقاطع بصورة أو بأخرى، فلدينا "دلشاد" بماضيه المجهول وحاضره المؤلم، بامتداده المتمثل فى "مريم"، وبدائرته المنطلقة من حارة "لوغان" حيث أمه فاقدة العقل، وحيث لقب "ود السيح" الذي يطارده دائما، وحيث "ما حليمة" بأسرتها التي انتهت بموت عيسى عبد الرسول، الذي جعله الناس وليا من أولياء الله.

ولدينا بيت "لوماه" بغطرسة "فردوس" وبحب "عبد اللطيف" وامتداده المتمثل فى "فريدة" ابنته من مريم دلشاد.

بالطبع لا يمكن أن نحصر كل الشخصيات التي تمثل فى مجملها الحكاية الشيقة التي تأخذك منذ أن ولد "دلشاد" يضحك، وانتهاء إلى اقتراب "فريدة" من الموت، بين هذين الحدثين تدور الحكاية عن الجوع والشبع والخوف والطمأنينة والمرض والصحة والعلم والجهل، عن البنوة والأبوة، عن الحب والأمل، عن الغنى والفقر، عن الحرب وأحزانها وكوارثها، عن الدنيا ومقدراتها، إنها سيرة مكتملة لمسقط وما يجاورها، بل هي سيرة للعالم كله فى ذلك الوقت.

التاريخ .. الحياة فى زمن الحرب

إن الحرب العالمية الثانية هي "المحور" الذي يمكن من خلاله أن نراقب الرواية وزمنها، لقد بدأت الأحداث قبل الحرب الكبرى بسنوات، وانتهت بعدها بسنوات،  لكن تظل الحرب وتأثيراتها هي التي أنضجت الشخصيات وصنعت عالمية الرواية.

ليس هذا فقط فلدينا مؤشرات زمنية مهمة  تكشف لنا حال مسقط ومدن سلطنة عمان فى زمن السلطان تيمور ومن بعده السلطان سعيد، وهي إن كانت مشغولة بشخصياتها لكنها تحيطنا علما بما كان يجرى فى السياسة ما بين السلطان والإنجليز وشيوخ القبائل.

ويمكن أن نقول إن الرواية تقدم لنا المجتمع العماني فى تلك الفترة حيث العرب والبلوش والبانيان والهنود وغير ذلك ممن يشكلون المجتمع، وتتحدث بصورة كبيرة أو بإشارات صغيرة عن الهند وقطر ومصر وتشير إلى أماكن أخرى ذهب إليها أبطال الرواية أو سمعوا عنها.

اللغة .. التوازن بين توصيل الفكرة وجمال العرض

امتلكت الرواية لغة مفعمة بالأفكار والمشاعر، فهي من جانب قادرة على بناء الحوار وتصوير الحدث، ومن جانب آخر قادرة على نقل الأحاسيس والمشاعر، فهي ليست لغة جافة، بل فيها الصور الشعرية والبلاغة  الجميلة لكنها ليست صارخة بل "مجدولة" مع الأفكار  فنشعر بجمالها، ولا تأخذنا بعيدا عن عالمها.

كما امتلكت الرواية بعض المصطلحات الخاصة القادمة من التراث واللغة الشعبية، وهي موظفة بشكل مناسب يتوافق مع مكانها فى الرواية والشخصية التي تقولها، وتدل فى الوقت نفسه على ثقافة بشرى خلفان.

محبة الشخصيات

عندما تقرأ رواية "دلشاد" فلن تقف موقف المتفرج المشاهد لما يجري بمشاعر محايدة، لا سوف تنحاز سريعا، وستتورط فى المحبة والتعاطف، كل شخصيات حارة "لوجان" سيكسبون تعاطفك، لكنك ستحب "ما حليمة" العطوفة بقدر إمكانياتها، وستحب أيضا عيسى عبد الرسول رغم ظهوره القليل فى الرواية لكن أثره يظل باقيا، وعندما تخرج إلى السوق وحارات الأغنياء فإنك مثلى لن تحب "البانيان" كثيرا خاصة أنهم كانوا سببا فى إخراج مريم من بيتها، أما "مريم" فستحتل من قلبك مكانة تجعلك تحزن لحزنها وتفرح لفرحها وتضحك معها بسبب أو بدون سبب فى المواقف المناسبة وغير المناسبة، إنها حركة جينية انتقلت إليها من والدها دلشاد الذي خبت ضحكته مع الزمن.

في الجيل الجديد سيعجبك رسم بشرى خلفان لشخصية "قاسم" ذلك المختلف فى كل شيء، إنه عاشق صموت لا يقول شيئا، بينما "فريدة" تصلح بطلة سينمائية بامتياز.

فى النهاية أقول إن رواية دلشاد حافلة بالجمال من زوايا عدة، وقد أحسنت بشرى خلفان إذ جعلت النهاية مفتوحة فيما يتعلق بكل الشخصيات، وجعلتنا فى انتظار جزء ثان تستقر فيها الأحوال آملين أن تتسع رقعة الحب وينتشر الأمان.







مشاركة



الموضوعات المتعلقة

السنوات

الأحد، 01 يناير 2023 01:55 م



الرجوع الى أعلى الصفحة