تولى الخليفة الواثق الحكم بعد رحيل والده الخليفة المعتصم، وفى عهده جرت عدة أحداث، فما الذي جرى وما الذي يقوله التراث الإسلامي؟
يقول كتاب البداية والنهاية لـ الحافظ ابن كثير تحت عنوان "ثم دخلت سنة تسع وعشرين ومائتين" فيها أمر الواثق بعقوبة الدواوين وضربهم واستخلاص الأموال منهم، لظهور خياناتهم وإسرافهم في أمورهم، فمنهم من ضرب ألف سوط وأكثر من ذلك وأقل، ومنهم من أخذ منه ألف ألف دينار، ودون ذلك، وجاهر الوزير محمد بن عبد الملك لسائر ولاة الشرط بالعداوة فعسفوا وحبسوا ولقوا شرا عظيما، وجهدا جهيدا، وجلس إسحاق بن إبراهيم للنظر في أمرهم، وأقيموا للناس وافتضحوا هم والدواوين فضيحة بليغة.
وكان سبب ذلك أن الواثق جلس ليلة في دار الخلافة وجلسوا يسمرون عنده، فقال: هل منكم أحد يعرف سبب عقوبة جدي الرشيد للبرامكة؟
فقال بعض الحاضرين: نعم يا أمير المؤمنين ! سبب ذلك أن الرشيد عرضت له جارية فأعجبه جمالها فساوم سيدها فيها.
فقال: يا أمير المؤمنين ! إن أقسمت بكل يمين أن لا أبيعها بأقل من مائة ألف دينار.
فاشتراها منه بها وبعث إلى يحيى بن خالد الوزير ليبعث إليه بالمال من بيت المال، فاعتل بأنها ليست عنده، فأرسل الرشيد إليه يؤنبه ويقول: أما في بيت مالي مائة ألف دينار؟
وألح في طلبها فقال يحيى بن خالد: أرسلوها إليه دراهم ليستكثرها، ولعله يرد الجارية.
فبعثوا بمائة ألف دينار دراهم ووضعوها في طريق الرشيد وهو خارج إلى الصلاة، فلما اجتاز به رأى كوما من دراهم.
فقال: ما هذا؟
قالوا: ثمن الجارية.
فاستكثر ذلك وأمر بخزنها عند بعض خدمه في دار الخلافة، وأعجبه جمع المال في حواصله، ثم شرع في تتبع أموال بيت المال فإذا البرامكة قد استهلكوها، فجعل يهمُّ بهم تارة يريد أخذهم وهلاكهم، وتارة يحجم عنهم، حتى إذا كان في بعض الليالي سمر عنده رجل يقال له: أبو العود، فأطلق له ثلاثين ألفا من الدراهم، فذهب إلى الوزير يحيى بن خالد بن برمك فطلبها منه فماطله مدة طويلة، فلما كان في بعض الليالي في السمر عرض أبو العود بذلك للرشيد في قول عمر بن أبي ربيعة:
وعدت هند وما كادت تعد * ليت هندا أنجزتنا ما تعد
واستبدَّت مرةً واحدةً * إنما العاجز من لا يستبد
فجعل الرشيد يكرر قوله: إنما العاجز من لا يستبد، ويعجبه ذلك.
فلما كان الصباح دخل عليه يحيى بن خالد فأنشده الرشيد هذين البيتين وهو يستحسنهما، ففهم ذلك يحيى بن خالد وخاف وسأل عن من أنشد ذلك للرشيد؟ فقيل له: أبو العود.
فبعث إليه وأعطاه الثلاثين ألفا وأعطاه من عنده عشرين ألفا، وكذلك ولداه الفضل وجعفر، فما كان عن قريب حتى أخذ الرشيد البرامكة، وكان من أمرهم ما كان.
فلما سمع ذلك الواثق أعجبه ذلك وجعل يكرر قول الشاعر: إنما العاجز من لا يستبد.
ثم بطش بالكتاب وهم الدواوين على إثر ذلك، وأخذ منهم أموالا عظيمةً جدا.
وفيها: حج بالناس أمير السنة الماضية وهو أمير الحجيج في السنتين الماضيتين.
وفيها توفي: خلف بن هشام البزار أحد مشاهير القراء، وعبد الله بن محمد السندي، ونعيم بن حماد الخزاعي أحد أئمة السنة بعد أن كان من أكابر الجهمية، وله المصنفات في السنن وغيرها، وبشار بن عبد الله المنسوب إليه النسخة المكذوبة عنه أو منه، ولكنها عالية الإسناد إليه، ولكنها موضوعة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة