عمر هذا التحقيق 3 سنوات لتجميع تراث بيكار من أصدقائه وابنته ومكتبة الجامعة الأمريكية ومخازن وزارة الثقافة
العناية الإلهية أنقذت هذا التراث من البيع بالمزاد العلنى لصالح بنك ناصر والحصيلة مئات الصور والصفحات والرسومات التى لا تقدر بثمن
علقة موت من أم بيكار لابنها الوحيد لأنه يلعب فى الشارع والأب العجوز يرفض الحياة معتمدا على عمل زوجته بالخياطة
يمكنك أن تعتبر وجهه خارطة لمصر الجميلة التى لم يقدر الزمن على تغييرها، يمكنك أن تعتبر صوته هو صوت القلب إن تحدث، والحكمة إن تجسدت، والمشاعر إن تحركت، والنماء إذ يجرى فى عروق النبات.
يمكنك أن تعتبر سيرته هى سيرة وطن يعطى ولا ينتظر مقابلا، يعلِّم دون أن ينتظر عرفانا، يرعى دون أن ينتظر شكرا.
يمكنك أن تعتبر روحه المبدع موجزا لتاريخ الفن فى مصر، فهو الفنان التشكيلى صاحب البصمة الفارقة، والموسيقى المبهر صاحب اللمسات الحانية الراقية، والشاعر المتجدد الذى جعل خواطره وجبة يومية ينتظرها المريدون، والناقد الذى يزرع اللمعان فى عيون المبدعين، والرحالة الذى يضع نفسه فى شغف الرحلة بكل ما أوتى من تهور، وهو أيضا الثائر القوى الذى لا يسمح لأحد بتغيير قناعاته حتى وإن اختلفت معها.
هو أكثر من مبدع، وأكثر من إنسان، وأكثر من روح، وعلى هذه الكثرة العجيبة، لا تجد إلا إجماعا أعجب على محبة هذا الرجل وتقديره، وأكاد أقول إنه من المستحيل أن ترى أحدا لا يحبه أو بمعنى أدق لا يهيم به، فقد احتفظ "بيكار" صاحب الاسم الغريب والحضور المهيب بمكانته فى كل القلوب، الفنانون يعشقونه، والصحفيون يبجلونه ويوقرونه، والسياسيون يخطبون وده، والحكام يكرمونه، والجمهور يتابعونه، وقد عشنا وشفنا الكثيرين وقد ذبل عنهم أحبابهم ومعارفهم وتيبسوا وهم أحياء، لكن حسين بيكار بقى فى مماته كما فى حياته، آية فى المحبة، علما فى المجتمع، علامة فى الفن والتاريخ.
عشرون عاما بالتمام والكمال مرت على رحيل هذا الرجل، فى 16 نوفمبر الماضى، و110 أعوام تمر اليوم على ميلاده، وبرغم هذه السنوات الطوال لم يخفت بريق "بيكار" ولم تذبل محبته، ولم يجف السحر عن هذا الاسم السابح فى الموسيقى، موسيقى الألوان، وموسيقى النغم، وموسيقى زمن جميل جليل كان يعطى لكل ذى حق حقه.
اليوم ونحن نحيى ذكرى ميلاده نغوص معا فى عالم هذا الرجل الفاتن، على أنغام آلاته الموسيقية سنرى حياته الحافلة، ووفق إيقاع فرشاته السخية، سنمر على حياته برفقة صوته الرخيم وهو يغنى أغنية عبدالوهاب "مريت على بيت الحبايب.. من اشتياقى، أناجى أهله.. ما دام مليك القلب غايب.. وفى التلاقى يبخل بوصله".
هنا ولأول مرة سترى ما لم يره أحد من قبل، سنرى حياة "حسين أمين إبراهيم" الشهير ببيكار "2 يناير 1913 - 16 نوفمبر 2002" سترى ما تيسر من مذكراته بخط يديه المنمق أحيانا، والمتعجل اللاهث أحيانا أخرى، سترى رسائله إلى أحبته ورسائل أحبته إليه، سترى مسودات أشعاره التى كان ينشرها فى الأهرام مصاحبة لرسوماته، وسترى خربشاته الفلسفية وتأملاته فى الحياة والبشر واللغة والأرقام، سترى صوره الشخصية التى ضحك فيها ولعب، وتأمل فيها وسهر، ورسم فيها وعزف، وشهدت على حفلاته ومعارضه وتكريماته.
بداية الرحلة.. بداية الشغف
رحلة طويلة سنطالعها هنا والآن، وقد بدأت هذه الرحلة منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، وكنت وقتها مشغولا بآلات بيكار الموسيقية وتوثيقها، فوجدت نفسى غارقا فى عالمه مجذوبا إليه، كتبت فى 30 ديسمبر 2019 تحقيقا عن "بيكار الموسيقار" واكتشفت وقتها أن "بيكار" لم يكن يعرف باسم بيكار على الأقل حتى عام 1936، وأنه نشأ وتعلم واحترف باسم "حسين أمين إبراهيم"، وفى هذا تقول الكاتبة فوزية الأشعل على لسان بيكار "اسمى حسين إبراهيم أمين، هكذا تقول الأوراق الرسمية، بعد وفاة أبى أخذت أقلب فى أوراقه، أبحث عن تاريخ لزمنى الذى يعود إلى جذور تركية، كنت أبحث ولا أدرى عن أى شىء أبحث، وعرفت فى نهاية الأمر أننى كنت أبحث عن "بيكار" أحسست أننى عثرت على كنز وهذه حقيقة، فهناك فرق بين حسين أمين إبراهيم وهو الاسم المدون فى شهادة ميلادى، وبين كلمة بيكار، وهى التوقيع الذى اختاره جدى لى برفضه الزواج بعد وفاة جدتى".
لكن "فوزية الأشعل" فى كتابها المعنون بـ"بيكار" لم تخبرنا بوقت هذا الاكتشاف المصيرى الذى اكتشفه فناننا، وجزء من الإجابة عن هذه الأسئلة منحنا إياها فيلم من إخراج المخرج الكبير "محمد فاضل" عن حياة بيكار، وقد صنع الفيلم فى العام 1972، وجاء فيه بعض الوثائق التى يحتفظ بها بيكار ومنها دعوة لحفلة يقيمها حملت اسمه "حسين أمين إبراهيم" وتاريخ هذا الحفل يعود إلى العام 1936.
من هنا نكتشف أن بيكار كان معروفا باسم "حسين أمين" على الأقل إلى هذا الوقت، أى بعد تخرجه فى كلية الفنون بثلاث سنوات وربما أكثر، وعلى حد قول الفنان جمال السجينى فى ذات الفيلم، فقد كان الجميع يتنبأ لبيكار بمستقبل كبير منذ بدايته، بل كان الجميع ينظر إليه وقتها، كما لو كان أحد فنانى عصر النهضة، وفى التحقيق الذى سبق الإشارة إليه تساءلت: أليس من المؤكد أن هناك العديد من اللوحات التى أبدعها بيكار فى تلك السنين؟، وأليس من المؤكد أيضا أن توقيعها لم يكن باسم "بيكار" لأنه لم يكن يعرف هذا الاسم بعد، فى الغالب فإن بيكار كان يوقع باسم "حسين أمين" أو "حسين أمين إبراهيم"، وهو ما يسوقنا إلى مسألة جدلية أخرى، تحتاج إلى بحث مستفيض ودراسة منفصلة، لأنه إذا ما صحت فرضية أن بيكار كان يوقع باسم حسين أمين أو "حسين" أو "أمين" أو "حسين أمين إبراهيم"، فربما يكون هناك التباس وقع فى نسبة بعض أعماله إلى فنان كبير آخر هو الفنان "حسين يوسف أمين" أحد أكبر رواد الفن التشكيلى فى مصر، وأحد أهم أساتذة الفن كذلك، وهو أمر يتطلب، كما ذكرنا، بحثا مستقلا.
تراث بيكار يفلت من التجار
هكذا ختمت التحقيق لأشعر بعدها أن هذه المسألة جديرة بالبحث المستقل، وقد بدأت البحث عن هذه المسألة بما انتهيت إليه فى تحقيقى الأول، أى بمكتبة الجامعة الأمريكية التى حفظت جزءا كبيرا من تراث بيكار، فوجدت بها الكثير والكثير، ثم قادتنى الدكتورة العزيزة سمية رمضان أستاذة الأدب العربى بأكاديمية الفنون، وصديقة الفنان الكبير الراحل، إلى بعض معارفه وأصدقائه، ومنهم المهندس كريم علاء الذى وجدت لديه نسخا من الكثير من وثائق بيكار ومقتنياته، ثم أسفر البحث عن خبيئة أخرى تحتفظ بها وزارة الثقافة، وقد جاءت بمحض مصادفة، وقصة تلك الخبيئة تعود إلى واقعة مؤسفة كادت أن تسفر عن كارثة ضياع ما تبقى من إرث بيكار المكتوب والمرئى، لكن والله الحمد انتبهت وزارة الثقافة قبل أن تقع الكارثة، فقد أوصى "بيكار" بأن ترثه زوجته السيدة "أسما النشوقاتى" لأنهما لم يرزقا بأطفال، ولما ماتت السيدة أسما ذهبت تركة الراحل إلى حساب بنك ناصر الاجتماعى كما تنص القوانين، وللأسف لم تفرق وزارة التضامن الاجتماعى بين فنان أو طبيب أو عامل، فوضعت مقتنيات "بيكار" فى المزاد، ليكتشف محبوه أن شقته قد آلت إلى صاحب العمارة لأنها كانت شقة بالإيجار، ومقتنياته من عفش ولوحات وصور وأوراق، قد وضعت فى المزاد، ووقتها تدخل وزير الثقافة الأسبق عماد أبو غازى لوقف هذا المزاد، وتمكن من ذلك بعد اتصاله بالوزير الأسبق "جودة عبدالخالق" الذى أوقف المزاد بالفعل، وتشكلت لجنة لتحديد سعر المقتنيات لتشتريها وزارة الثقافة، وحينما رحل أبو غازى وعبدالخالق لم تقبل وزارة التضامن بالمبلغ المحدد، فعزمت على وضع المقتنيات مرة أخرى فى المزاد بعد أن اشترطت ألا تقل قيمة المقتنيات عن 250 ألف جنيه، لكن وزير الثقافة الأسبق الدكتور الراحل "شاكر عبدالحميد" خاطب الوزيرة نجوى خليل، وزير التضامن وقتها، التى أوقفت المزاد وآلت بعدها تلك المقتنيات إلى وزارة الثقافة، وقد استغرقت هذه الرحلة من فبراير 2011 وقت وفاة السيدة أسما حرم بيكار، وحتى منتصف مارس 2012.
وهكذا التقيت بالكنز
ربما تقرأ هذه القصة فى دقائق معدودات، لكنها استغرقت الكثير من البحث والسعى والأسئلة، ومن مصادرها المتعددة، سواء من أرشيف محبى بيكار، وعلى رأسهم المهندس "كريم علاء" أو من ابنة بيكار بالتبنى "راندا" المقيمة الآن فى لندن، أو من أرشيف الجامعة الأمريكية، أو من أرشيف وزارة الثقافة، استطعت استكمال "حياة بيكار" لأول مرة بشكل كامل، وأن أمسك بيدى وثائقه وأعانق خط يده، وأطالع ما تيسر من مذكراته، وقد كان شاغلى الأول أن أعثر على إجابة محددة للسنة التى بدأ فيها بيكار بالتوقيع باسمه الشهير، لكن ما إن أمسك بالأوراق حتى نسيت هذا الشاغل، وارتحلت من "الاسم" إلى "المعنى".
سنوات الألم والشقاء بخط يده
فى ورق أصفر باهت، وبيد مرتعشة لاهثة، يحاول بيكار أن يكتب من ذاكرته ما تيسر له من أحداث وألوان وروائح، بيكار المولود فى سنة 1913، يجتهد فى اعتصار ذاكرته، ليحاول كتابه مذكراته، ويبدو أن تلك الكتابات كانت محاولة أولى لصنع مسودة يذكر فيها بعض الأحداث بالإشارة، ليتذكرها فحسب استعدادا لكتابة التفاصيل فى الصيغة النهائية، لكنها تمنحنا لمحات خاطفة بليغة عن حياة مليئة بالشقاء والألم والعمل.
اختار بيكار سنة 1926 ليبدأ منها رحلته مع الذاكرة، فيقول:
1926 خطبة الأخت من تاجر الصينى - يقصد الخزف - والسكن فى منزل يملكه فى حى أبى الدرداء، فى هذه المرحلة يبدو أن بيكار كان يتعرض إلى أزمات نفسية كبيرة يجملها بالقول أنه كان يعيش «مرحلة كبت طفولى» ثم يذكر فى المذكرات أن العائلة انتقلت للعيش فى شقة فوق السطح بشارع فرنسا استعدادا لزواج الأخت، واتساقا مع هذه الحياة الصعبة، يذكر بيكار أنه فى ذلك الوقت وهو ابن الـ13 عاما عمل لدى ترزى «تركى» كان يعمل تحت العمارة التى كان يسكن فيها، ثم يذكر أن أبو حلق له شعره «زيرو» دون أن يذكر السبب لذلك، وهو ما يدفعنا للتخمين بأن هذا الإجراء ربما يكون على سبيل العقاب، أو ربما يكون على سبيل «التوفير»، وهو ما أراه مناسبا لتلك الصورة القاتمة التى يرسمها بيكار عن حياته المبكرة، وفى ذات السياق يذكر بيكار أن أمه بدأت تعمل كخياطة بالقطعة عند الزبائن، ووفقا لتلك الظروف أيضا كان من الطبيعى أن يذكر بيكار أن أمه كانت تضربه «أكبر علقة من الأم لرفضها اللعب فى الشارع» وهو ما دفعه ليلعب «لعبة الميزان والتين فى الفرندة» دون أن يذكر لنا ما هذه اللعبة أو كيفية لعبها.
بتلك الكلمات المتقاطعة يرسم بيكار حياته المبكرة بطريقة «ضربات الفرشاة»، ضربة هنا وضربة هناك فتكتمل الصورة، لا يميل إلى السرد المفصل، لكن ترى الكلمات طائشة يمينا ويسارا فيكتمل المشهد فى ذهنك، ولا ينسى بيكار أيضا أو يضع لنا قاموسا بالروائح التى يستدعيها من الذاكرة أيضا، فيقول بعد حديثه عن أمه «رائحة الشواء تأتى من بائع الكباب، ورائحة الحمص الشامى المحمص» وكأنه يريد أن يضعنا فى إطار من الزمان والمكان والروائح المصاحبة أيضا، أو كأنه يرسم لوحة شعبية بتفاصيلها المبهرة والموجعة أيضا.
فى نفس الورقة وفى الفقرة التالية مباشرة يبدأ بيكار فى ذكر أحداث أخرى ولكن بطريقة يبدو منها أنها تحمل الكثير من الخلط، فقد ذكر فى الفقرة الأولى أن أخته خطبت سنة 1926، لكن فى الفقرة التالية يقول «1925 فسخ الخطوبة والانتقال إلى السكن فى حى الأنفوشى، لكنه بعد ذلك على يبدو يبدأ فى ذكر تاريخ النغم فى حياته، فيذكر أنه فى ذات السنة وهو ابن 12 عاما سمع المطرب الكبير صالح عبدالحى لأول مرة من وراء ستار، فى شادر حفل زواج، وكذلك يبدى انبهاره بـ«الهيلمان» الذى دخل به الصوان معلقا بالقول «الانبهار بصوت مطرب العصر» كما يذكر أنه فى ذات السنة التحق بمدرسة العروة الوثقى».
واستمرارا للخلط بين السنوات يبدو أن بيكار أراد أن يسير فى مذكراته بشكل عكسى فيقول فى أحداث سنة 1924 أنه انتقل للعيش فى منزل «حسن أغا القهوجى التركى»، وفى هذا المنزل يتذكر بيكار حفل الطهور الذى أقامه حسن أغا لابنه وتطويقه بالفلوس، وهى عادة كانت منتشرة قديما للتدليل على الثراء، وأنه فى ذات اليوم أجريت عملية طهور بيكار نفسه على نفقة صاحب البيت، وهو الأمر الذى يدلنا على أن عائلة بيكار كانت محاطة بفاعلى الخير الداعمين لها، غير أن أبو بيكار برغم كبر سنه حيث كان يبلغ من العمر نحو 70 عاما، كان لا يريد أن يعيش مستجديا للصدقات أو مكتفيا بما يأتى به عمل الأم، فيقول بيكار فى المذكرات إن أباه فى ذات الوقت احترف بيع البطاطا، وأنه كان يجلس على رصيف قهوة «حسن أغا» صاحب البيت، كما يبرز بيكار هنا ما كان يتمتع به أبو بيكار من حس فنى، فيذكر أن أباه حينما كان يبيع البطاطا كان أيضا يمضى وقته فى كتابة مذكراته بخط جميل، وأنه كان كثيرا ما ينصح ابنه برعاية أمه.
وسط هذه الحياة الصعبة كان بيكار الابن يشارك متألما محروما من اللعب، وبدافع ضيق الحال وكبر سن الأب يندمج بيكار فى العمل مع أبيه الذى يترك «البطاطا» ورصيف القهوة، ويبيع «الغريبة» مع أبيه متجولا فى الشوارع، ويرسم بيكار صورة لقفص «الغريبة»، موضحا به ذلك الذراع الذى يحمله منه، وأثناء هذا السير يرصد بيكار أول مرة ينبهر فيها بالرسم، فيذكر أنه شاهد فنانا تركيا يرسم على الطبق بـ«هباب شمعة».
بعد احتراف بيع البطاطا، ثم الكحك والغريبة، يبدأ الأب فى استثمار وقته فى صناعة الحلاوة السمسمية والفول السودانى، ويرسم أيضا «الصاج» الذى كان يصنع عليه أبوه حلوياته، كما يذكر أن أباه كان يرفض الاعتماد على زوجته رغم كبر سنه، يمضى الليل ساهرا فى فرن بجوار البيت ويعود إلى غرفة مترين فى مترين، بينما أخته «المدللة» تجتهد فى توفير العملات الفضية داخل صندوق.
فى هذه الأثناء يرسل والد بيكار «التركى الأصل» ابنه ليتعلم اللغة التركية فى إحدى المدارس، ويتذكر بيكار أنه فى هذه المرحلة قرأ القرآن لأول مرة بصوت طفولى شجى، ثم تحويله إلى مدرسة راتب باشا بجوار ضريح «أبو وردة»، كما يذكر أنه فى هذه المدرسة كان يحصل على «منحة الكساء» كل عام، ويجتمع مع أصدقائه فى المدرسة فى الحوش بجوار القبر ومعهم «ضابط» الألعاب البالغ الأناقة، وفى تلك المدرسة يذكر بيكار قصة لقائه بسيد درويش الذى ذهب إلى تلك المدرسة وغنى معهم نشيد «بنو مصر» وهو النشيد الذى كان من المفترض أن يكون نشيدا وطنيا لمصر، وفى الحقيقة فإن تلك اللمحة التاريخية تخبرنا بما لا يدع للشك مدخلا بأن تلك الوقائع لم تحدث سنة 1924 كما يذكر بيكار، لأن سيد درويش توفى فى مارس 1923، وأنه ربما كان يذهب إلى المدارس ليحفظ التلاميذ هذا النشيد ضمن حملة لترويجه، ومعروف أيضا أن هذا النشيد وضع عام 1921، أى أن هذه الوقائع حدثت ما بيت عامى 1921 و1923.
تلك صفحة واحدة مليئة بالألم والتفاصيل والأسرار، والحكايات، ضمن مئات الصفحات التى حصلت عليها، وقد ساقنى إليها البحث عن توقيت استخدام بيكار لاسم بيكار، الذى عرفته بلا شك، لكنى فى تلك الرحلة عرفت ما لم أكن أعرف، ورأيت فى حياة بيكار أسرار ما لم تره عين.
نكمل غدا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة