إذا اعتبرنا أن الغناء والموسيقى هما أعلى درجات الفرح، فالبهجة التى يفجرها المطرب فى نفوس جمهوره هى ناتج التفاعل مع الكلمات والألحان ومن ثم تتوالد علاقة فنية، فكلما زاد حب الجمهور وتفاعله مع المطرب كلما زادت ثقته ونثر البهجة والسرور فى نفوس مستمعيه، هذا ما رأيناه فى أكثر من نجم على مدار تاريخ الفن، يتنافسون على اصطياد إعجاب الجمهور، باستثناء محمد منير الذى استطاع أن يحتل أنصع ركن فى نفوس مستمتعيه دون أن يبذل مجهودا سوى الفن.
استطاع منير أن يحافظ على تمتعه بالحضور الطاغى الذى خلق منه ظاهرة فريدة، بداية من تمكنه فى السباحة الماهرة فى بحر الكلمات، يغوص فيصطاد لؤلؤ المفردات وجواهر المعاني، ويؤهلها باللحن البديع، فتصبح أغنيات خالدة عالقة فى الأذهان، تفوح منها عذوبة النغم وحلاوة الصوت ورصانة الأداء، الذى ينم عن ثقافة عريضة باللغة، أما طاقة منير وحركاته المتباينة على المسرح فهذا بمثابة الكنز الخفى الذى يربطه بالجمهور، وكأنه يحمل مفتاح سعادة النفس البشرية فى حالاتها المختلفة، ومن ثم يسرت له المعرفة التعبير عن تقلبات النفس من الحزن إلى السعادة والفرحة، لذلك أصبح جمهور منير فى حالة استعداد تام لاستقبال أية حركة أو همسة منه، إضافة على أن جمهوره مستمع جيد، يتمتع بفضيلة الإصغاء عن كثب، ففى أغنية "لو بطلنا نحلم نموت" تجد منير يثير ردود أفعال الجمهور المتناقضة بما يتناسب مع مناخ الأغنية فكلماتها شعار جيل كامل يرفعه دائما فى حالات الانكسار أو عندما يسيطر علينا الإحباط، فنجاح الأغنية لا يزال مستمرا حتى بعد مرور سنوات وإن دل فإتما ينم عن احتياره للكلمات وتميزه فى اللحن والأداء.
وفى أغنية "علي صوتك بالغنا" ينفجر الجمهور حين يردد منير : "لسه الأماني ممكنة" وفيها يتجاوب الجمهور مع دفء صوته، أما أغنية "سو يا سو" فقد اعتمد على ذكاء الجمهور الذى راح يسعى لتفسير الكلمات، وكأنها ألغاز، مما ساعد على انتشارها وبقائها على الساحة الغنائية.
والأمثلة كثيرة لا شك، لكن دعنى أذكرك ببعض أغنياته البديعة، وتأمل بنفسك تفاعل الجمهور مع أداء "الرزق على الله، و عروسة النيل، و الكون كله بيدور، ووسط الدايرة، و ياطير يا طاير، طعم البيوت، و شجر الليمون، ويونس، و يا أهل العرب والطرب"، فالعلاقة الجدلية المتباينة بين الجمهور ومنير ناتجة عن شحنات الحرارة بين المطرب وجمهوره.
الكنج منير تنمو أشجاره دائما بأمطار الشهرة التى هطلت عليه بانتظام وشكلت فيضانات حب، وجعلت منه أيقونة حاضرة بالصوت والموسيقى والأداء مع اختلاف أعمار الأجيال من الجمهور المتجدد دائما.
منير .. أنت فنان استثنائى صاحب أداء مميز، وصوت قوى نادر، مطرب من ذهب قدمت لنا أجمل الأغنيات وأسعدتنا بكلماتك وفرحتنا بأدائك وغيرنا منك كثيرا عندما كنت ومازلت فتى أحلام الجميلات.. فلا نملك غير أن نردد معك "من صغره وصغر سنه عارف معنى انه من قلبه وروحه مصرى والنيل جوه بيسرى".