الزيارة التى قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسى للهند، ولقاءاته مع المسؤولين الكبار والوزراء ومجتمع الأعمال، تمثل نقطة مهمة فى بناء العلاقات الاقتصادية والسياسية على أساس المصالح والتعاون والشراكة.
تزامنت الزيارة مع عيد الجمهورية بالهند، ومرور 75 عاما على العلاقات الهندية المصرية، صحيح أن مصر، كانت شريكا مهما للهند وصلت إلى ذروتها مع تأسيس حركة عدم الانحياز، كحركة سياسية تدعم استقلال الدول فى ظل الحرب الباردة والقطبية السياسية بين المعسكرين الغربى والشرقى، بهدف تنمية مستقلة، وقدرة على الابتعاد عن الاستقطابات الدولية، وقد تغيرت أشكال الاستقطاب والصراع واتخذت أشكالا جديدة، تفرض تطوير آليات التعامل معها.
لم تتوقف التفاعلات والتحولات فى السياسة الدولية منذ نهاية الحرب الباردة، تحولات ترتبط بالمصالح والمنافسات الاقتصادية والتجارية، وتضع الدول الكبرى فى حالة دفاع وهجوم متبادل، ما يجعلها أكثر انشغالا بمصالحها واستراتيجياتها، بما يحتم على الدول والتجمعات الإقليمية أن تسعى لتقوية وجودها وقرارها حتى يمكنها بناء تجاربها فى التنمية، بعيدا عن أى استقطابات أو انتظار حسم الصراعات القائمة.
انتهت الحرب الباردة، لكن الصراعات والمنافسات استمرت بأشكال جديدة، غيرت من القواعد الاقتصادية، وأبقت على المنافسة، وظل العالم يعيش تحولات وصراعات ومنافسات اتخذت مؤخرا أشكالا من الصراعين البارد والساخن، انعكست فى صورة أزمة عالمية وتحولات فى أسواق الطاقة والغذاء، وهى تحولات تضاعف من انشغالات الدول والمنظمات بالبحث عن طرق للتعامل مع أزمات غير مسبوقة، ومواقف تقوى من القدرة على التعامل مع الواقع بمرونة وفاعلية، من خلال البحث عن سياقات عمل وتنمية، تناسب العصر.
وهو ما تدركه الدولة المصرية، والرئيس عبدالفتاح السيسى الذى سعى على مدى سنوات لإعادة بناء السياسة الخارجية باتجاه توسيع التعاون والشراكة مع كل الدول والسعى لتقوية العلاقات، مع إدراك ورغبة فى إرساء السلام والتعاون التجارى والاقتصادى بشكل كبير، وبناء علاقات متوازنة تسمح بالتعاون وتبادل المصالح، وتسويق فرص الاستثمار بعد بناء بنية أساسية جاذبة للاستثمار، وبناء سياسات خارجية واقتصادية تقوم على التوازن، وتبتعد عن الاستقطابات وتتفاعل مع الفرص والعوائد.
تنطلق الدولة المصرية فى بناء سياستها الخارجية من مصالحها ومصالح شركائها القاريين والدوليين، وتوزيع العوائد والفرص، وطرح مبادرات للتعاون بدلا من الصراع، وهى علاقات يتم بناؤها بدقة، بعيدا عن أى تداعيات غير مرغوبة، مع التأكيد على أهمية قيام العلاقة مع مراكز النمو الاقتصادى والتجارب الناشئة والمتقدمة فى الاقتصاد، بما يضمن فرصا عادلة متكافئة لكل الأطراف.
من هنا تأتى أهمية العلاقات مع الدوائر الإقليمية والدولية، ومنها العلاقة مع الهند، وزيارة الرئيس السيسى ولقاءاته مع المسؤولين ومجتمع الأعمال فى الهند تأتى فى إطار العلاقات الدبلوماسية والاستراتيجية والمصالح المشتركة بين البلدين، وإعادة بناء هذه العلاقات بشكل يتناسب مع ما يشهده العالم من تحولات على المستوى السياسى والاقتصادى، حيث ترى كل من مصر والهند، أن هناك فرصا للتعاون المشترك، بالشكل الذى يتناسب مع التجارب التنموية لهما.
سياسيا، هناك اتجاه لتنسيق المواقف تجاه القضايا الدولية والإقليمية، ومجالات للتعاون العسكرى والمعلوماتى، واقتصاديا توجد مجالات كثيرة جدا للتعاون، الهند لديها تجربة مهمة فى صناعة التكنولوجيا والنقل والخامات الدوائية والزراعة مع قاعدة صناعية مهمة، ومصر لديها فرص استثمارية فى المنطقة الاقتصادية بقناة السويس، والمشروعات الكبرى، بجانب تجربة فى المبادرات والحماية الاجتماعية، للتوصل إلى أفضل طرق عدالة توزيع ثمار التنمية.
الهند هى ثانى دولة من حيث عدد السكان فى العالم تمثل سوقا مهما لمصر، بجانب جذب السياح الهنود لمصر، وفى الوقت ذاته فإن المشروعات العملاقة وفى مقدمتها محور تنمية منطقة قناة السويس، والمناطق الصناعية واللوجستية الكبرى، توفر فرصا واعدة للشركات الهندية الراغبة فى الاستفادة من موقع مصر الاستراتيجى، كمركز للإنتاج وإعادة تصدير المنتجات إلى مختلف دول العالم، التى تربطها بمصر والهند اتفاقيات للتجارة الحرة، خاصة المنطقتين العربية والأفريقية.
كل هذا يجعل من تطوير العلاقات الهندية المصرية، خطوة لبناء علاقات أكبر، وتطوير التعاون سياسيا واقتصاديا وتجاريا، بما يضمن مصالح الطرفين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة