.. مُنذ يوم السبت الماضى وأنا أتذكر سنوات المدرسة وأنا تلميذة صغيرة ، حينما كُنا نقف إنتباه فى طابور الصباح نُحيي العَلَم وننظر له فى شموخ ونُردد "تحيا جمهورية مصر العربية ، تحيا جمهورية مصر العربية ، تحيا جمهورية مصر العربية" .. كان ذلك يتم بصفة يومية وبعد أن نُحيي العَلَم نُردد النشيد الوطنى ونقول ( بلادى بلادى بلادى لكى حُبى وفُؤادى ، مصر يا أُم البلاد ، أنتى غايتي والمراد ، وعلى كل العباد ، كم لنيلك من أيادى ) .. لذلك أدركت منذ طفولتى أن "مصر كبيرة"
.. إسبوع كامل وأنا أعيش فى ذكريات الطفولة حينما كُنت أتسابق مع زميلاتى فى رَسم "علم مصر" فى كراسة الرَسم ، ورَسم "العسكرى المصرى الذى رفع علم مصر على الضفة الشرقية لقناة السويس بعد عبور خط خط بارليف" ورَسم "الدبابة" ورَسم "الطائرة" .. كُنت مازلت صغيرة فى نهاية المرحلة الإبتدائية ورغم ذلك كُنت أحفظ عن ظهر قلب كلمات الرئيس الراحل أنور السادات فى خطابه التاريخى بمناسبة نصر أكتوبر العظيم ، حفظت ورَددت ( إن التاريخ العسكري سوف يتوقف طويلاً بالفحص والدرس أمام عملية يوم ٦ أكتوبر سنة ٧٣ حين تمكنت القوات المسلحة من إقتحام مانع قناة السويس الصعب وإجتياز خط بارليف المنيع وإقامة رؤوس جسور لها بعد أن أفقدَت العدو توازنه فى ٦ ساعات ) .. وحَفَظت ورَددت ( إنني أُفضِل إحترام العالم ولو بِغَير عطف علي عطف العالم إذا كان بغير إحترام ) .. إتضح أن كل ما أشعُر به وجعلنى أتذكر هذه الذكريات بسبب الذكرى الـ ( ٥٠ ) لإنتصارات أكتوبر المجيدة ، اليوم المشهود الذى نفتخر به ، ذكريات لا تُنسي وأمجاد سُطرت فى تاريخنا وبطولات شاهده على تضحيات أبناءنا فى القوات المسلحة
.. وفى خضم إحتفالاتنا بالنصر الغالى كان قلبنا يعتصر على ما يقوم به الإسرائيليون من قصف جوى بالطائرات للعمارات فى قطاع غزة وقطع المياه والكهرباء وإمدادات الوقود وتفجير الشوارع ، إرتفع عدد الشهداء فى قطاع غزة إلى ما يقارب من ( ٢٠٠٠ ) شهيد و ( ٧٠٠٠ ) مُصاب ، والعالم فى حالة صمت فقد إختل ميزان العدالة الدولية وضاع الحق الفلسطينى وتناست القوى الدولية حقوق الإنسان الفلسطينى ، وإنكشف الإعلام الغربي الذى يُروج لوقائع غير حقيقية ويّناصر المُحتل ولا يراعى حقوق الأطفال والنساء والمُسنيين فى غزة
.. تقف "مصر" موقفا شُجاعا فى مواجهة تصفية القضية الفلسطينية بعد التصريحات التى ورَدت على لسان عدد من المسئولين الإسرائيليين الذين أعادوا طرح الفكرة القديمة بتوطين الفلسطينيين فى سيناء وأعادوها للمشهد مرة أخرى وطالبوا أهالى غزة بالنزوح للجنوب فى إتجاه سيناء ، ونحن نعلم أن هذا الطَرح مرفوض ولن نسمح به ، طَرح مرفوض رفضاً قاطعاً لأن إبعاد الفلسطينيين عن أراضيهم يعنى ضياع قضيتهم وتُعَد بمثابة "نكبة جديدة" بعد نكبة ١٩٤٨
.. تقف "مصر" وتقول كلمتها ، وصوتها يصل للجميع ، موقفها يعبر عن رؤية مُستقبلية صائبة ، فالأشقاء الفلسطينيون يعلمون تمام العِلم بأن "مصر" دفعت الغالى والثمين للدفاع عن قضيتهم ، حاربت من أجلهم وناضلت من أجلهم وتطالب _ دون تَوَقُف _ بضرورة عودة الحق الفلسطينى وإستعادة الأرض المحتلة ، "صوت مصر" لم يتوقف سواء فى الجمعية العامة للأمم المتحدة أو لدى الدول الكبرى أو الإتحاد الأوروبي لأن "مصر" تعتبر قضية فلسطين هى قضية العرب الأولى ولا سلام فى الشرق الأوسط سوى بحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية
.. وخلال مُتابعتى للمشهد السياسي فى "مصر" طوال الإسبوع الماضى وجدت حالة من الرضا لدى الرأى العام بعد تصريحات "الرئيس السيسي" خلال حفل تخرج الكليات العسكرية والتى قال فيها : لابد أن يبقى شعب فلسطين صامداً على أرضه ونبذل جهوداً كبيرة لإحتواء التصعيد فى غزة والتخفيف عن الشعب الفلسطينى وما يحدث فى غزة يهدف لتصفية القضية الفلسطينية .. فقد سادت حالة من الطمأنينة لدى السياسيين والأحزاب والإعلاميين والصحفيين والنقابات لأن وجهه نظر "الرئيس السيسي" تُطابق وجهه نظرهم و هذا يُشكل نموذجاً لتوافق الرؤى بين القيادة والشعب
.. "مصر الكبيرة" التى ترفض بكل قوة تصفية القضية الفلسطينية هى نفسها "مصر الكبيرة" التى حاربت وإنتصرت وأعادت أرضها ونشرت السلام ومدت يدها لكل من يريد العيش فى سلام ، هى نفسها "مصر الكبيرة" التى تحاول تقديم المساعدات الإنسانية للأشقاء فى غزة وتُجرى مباحثات وتفاهمات لتكشف لدول العالم المجازر الذى يرتكبها المُحتل فى غزة ولتوضح أيضاً بأن الحل يكِمُن فى ضرورة فَرض تهدئة طارئة وإنهاء الحصار وعلاج المصابين والبدء فى الجلوس على طاولة المفاوضات ثم إعادة إعمار غزة وإقامة دولة فلسطينية على حدود ما قبل( ٥ ) يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية
.. تَعَلمنا فى المدارس أن فلسطين قضيتنا وحقوق مشروعة وحينما كبرنا عاصرنا التجاوزات والإعتداءات المتكررة على شعبها الأعزل وبدأنا نهتف ونُشارك فى المظاهرات المُنددة بالإحتلال ، والآن وبعد المجازر الغير مسبوقة التى يرتكبها المُحتل الإسرائيلى أقول قصيدة “يا قدس معذرة” لـ "أحمد مطر" ( يا قدس يا سيدتي ، معذرة فليس لي يدان ، وليس لي أسلحة ، وليس لي ميدان ، كل الذي أملكه لسان ، والنطق يا سيدتي أسعاره باهظة ، والموت بالمجان )