د. إبراهيم ربايعة

الحرب على غزة.. عدوان على الأمن القومي المصري

الأربعاء، 18 أكتوبر 2023 01:53 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

في العام يونيو 1967، ومع احتلال إسرائيل قطاع غزة، برزت قضية وجود 400 ألف لاجئ فلسطيني في القطاع كعائق ديمغرافي يمنع حكومة الاحتلال من ضم القطاع والتهامه. ما جعل هذه القضية حاضرة وبقوة على طاولة الحكومة الإسرائيلية التي بدأت تناقش خياراتها، والتي كان أولها مشروع توطين اللاجئين في العريش، فيما ذهب وزراء عدة في تلك الحكومة إلى توسيع الخيارات بالتوطين في مساحات أخرى من سيناء.

جاء اقتراح سيناء من صاحب أولى المشاريع الاستيطانية بعد الاحتلال عام 1967، الوزير في تلك الحكومة يغيئال آلون، والذي جاء بمقترح نقل اللاجئين إلى ثلاث مناطق من العريش، بتمويل يهودي، على أن تبدأ المرحلة الأولى بـ 50 ألفاً. كما وقف الوزير إلياهو ساسون عند علاقة مصر بقطاع غزة، وشدد على ضرورة منع مصر من التدخل في القطاع فلولا "وجود 400 ألف لاجئ لما سمحت مصر للشقيري بإقامة منظمة عسكرية وكتائب "محربين..... ما يهمني هو التأكيد على سلخ قطاع غزة عن مصر".

ورغم عدم نفاذ المخطط، لأسباب تتعلق بالتوازنات الإقليمية ورفض مصر المطلق له، إلا أنه بقي حاضراً وبقوة في العقل والسلوك السياسيين الإسرائيليين، ففي العام 1971، اقتلع أرئيل شارون 12 ألف لاجئ من القطاع ووضعهم في محطات لجوء أخرى في سيناء. لكن مصر بقيت على موقف صلب تجاه هذه المحاولات، وأصبح رفض التوطين في سيناء جزءاً راسخاً من العقيدة الأمنية والسياسية للدولة المصرية.

لاحقاً، ومع تصاعد قضية قطاع غزة والفعل المقاوم فيها، أصبح القطاع هاجساً أمنياً وسياسياً لإسرائيل، ما قاد رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير جيش الاحتلال الأسبق، اسحق رابين لمقولته "أتمنى أن أستيقظ يوماً وأجد البحر قد ابتلع غزة"، ولذلك أيضاً كانت غزة أول ما انسحبت منه إسرائيل مع عملية التسوية.

ورغم تصاعد المقاومة الفلسطينية في غزة، وتطور امكانياتها خلال وبعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000-2005)، ورغم ما شكله هذا من تهديد استراتيجي لإسرائيل، إلا أن بعداً آخر أعاد إحياء مشروع تهجير القطاع وضمه، على حساب مصر، وهو مشروع قناة غوريون الذي بدأ الحديث عنه عام 2008 وتصاعد خلال السنوات الأخيرة، وهو مشروع انشاء قناة بديلة لقناة السويس، تصل البحر الأبيض بالأحمر، وتكون إسرائيلية بشكل كامل.

مع كل هذه التحديات والتهديدات، سكنت غزة موقعاً متقدماً في الأمن القومي المصري، خاصة أن العلاقات المصرية الإسرائيلية لم تصل أبداً موقع الثقة المتبادلة، في ظل محاولات إسرائيل العبث بالأمن القومي المصري على جبهات بعيدة أيضاً، في عمق أفريقيا، كما في حالة أثيوبيا وسد النهضة على سبيل المثال. من هنا، شكلت غزة مساحة مهمة ومتقدمة في السياسة والأمن المصريين، أولتها أولوية كبيرة ودأبت على متابعتها من خلال جهاز المخابرات العامة المتصل مباشرة برئاسة الجمهورية.

من هنا، يمكن فهم الموقف المصري من العدوان الحالي باتجاهين: الاتجاه الأول متصل بالالتزام المصري الدائم بدعم الحقوق الوطنية الفلسطينية المتمثلة بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتوفير الحياة الآمنة والكريمة والمستقلة للفلسطينيين، خاصة في القطاع، والثاني متصل بالأمن القومي المصري، بأبعاده السياسية والاقتصادية والأمنية.

إن المواقف المصرية حالياً، كانت واضحة برفض التهجير الذي سينهي إلى الأبد مشروع الحرية والاستقلال الفلسطيني، والتي ستضر بالأمن القومي المصري بكل أبعاده. إلى جانب ذلك، عبرت المستويات السياسية المصرية عن رفض جريمة الحرب الجارية المتمثلة باستهداف الفلسطينيين بالقتل والتجويع وقطع الكهرباء والخدمات، إلى جانب رفض الفتح الانتقائي لمعبر رفح، وعدم السماح بخروج حملة الجنسيات الأجنبية دون السماح بدخول المساعدات، والتي تصر إسرائيل على رفضها.

إن الرسائل المصرية كانت واضحة حين تعمد الرئيس عبد الفتاح السيسي إرسال رسائل علنية لأميركا، خلال لقائه مع وزير خارجيتها أنتوني بلينكين، وجهت للطرفين الأميركي والإسرائيلي – وهما طرف واحد اليوم- والتي جاء فيها إشارة إلى قتل إسرائيل أكثر من12 ألف فلسطيني خلال خمس جولات عدوان على القطاع، وتجاوز إسرائيل كل قواعد الحرب الضابطة، وضرورة فتح المعبر أمام المساعدات، وهذا ما قاد بلينكين للتأكيد، فور خروجه من الاجتماع مع الرئيس المصري، على أن فتح معبر رفح قريب.

اليوم، وبعد مجزرة مستشفى المعمداني، لم يعد أمام الفلسطينيين في القطاع من أماكن آمنة، ولم يعد أمامهم ترف الوقت لانتظار الجولات الدبلوماسية، التي تميل كفتها أوروبياً وأميركياً لصالح إسرائيل. ولهذا، كان إلغاء القمة الأميركية المصرية الأردنية الفلسطينية خطوة مهمة يرى الشارع الفلسطيني أنه من المهم البناء عليها. من هنا، يتوقع الشارع الفلسطيني تصاعداً بالضغط المصري على إسرائيل، كونها الدولة العربية التي تمتلك أكثر أوراق الضغط على الاحتلال، وهي أوراق سياسية وعسكرية فاعلة ومخيفة لإسرائيل. فكما كان للموقف المصري دور واضح ومباشر وقوي في فرملة مشروع التهجير الاستعماري، تسمح أوراق مصر بتصعيد الضغط على الاحتلال، وحاضنته واشنطن، لوقف العدوان وفتح المعابر أمام المساعدات.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة