قصَّت قمَّة القاهرة للسلام شريطها صباح أمس السبت، بالتزامن مع فتح معبر رفح بعد أسبوعين من المُماطلة الإسرائيلية.. قد لا تكون هناك علاقة سببيّة بين الحدثين؛ إلا أنهما من قاموسٍ واحد، كان بدء تمرير المساعدات تتويجا لجهود مصرية لم تنقطع، وكان التأخير تعبيرا عن غطرسة الاحتلال وظهيره الغربى؛ بينما جاء المُلتقى الدولى المُوسَّع فى العاصمة الإدارية تطويرا لتحرُّكات مصر، وتطويقا للانحياز وانحراف المعايير.. حصيلةُ كلمات المُشاركين كانت فى صفِّ الرؤية الداعية لإيقاف الحرب، وعِصمة دماء المدنيِّين، والعودة إلى طرح المسار السياسى ونهائيَّة «حلّ الدولتين»؛ حتى الذين وصموا «حماس» وأثبتوا للاحتلال حقَّ الدفاع عن النفس، أدانوا العدوان على غزّة بما فيه من خُروقاتٍ إنسانية صارخةٍ فى عُنفها ودمويّتها؛ ليصير المشهدُ إجمالًا إلى حالةٍ أخلاقيّة، تُعيد الاعتبار للتهدئة، وضبط الصراع تحت سقف القِيَم، وتسعى إلى انتشال السياسة والسلام من فخّ الأُصوليّة ومحرقة الحرب.
جدَّد الرئيس السيسى فى كلمته تأكيدَ ثوابت الموقف الوطنى، وأنه لا بديل عن دولةٍ فلسطينية مُستقلّة، ولا قبول لمُخطَّطات التهجير أو تصفية القضية على حساب مصر وغيرها، كما أدان استهداف المدنيِّين بوضوحٍ، وتحدَّث عن امتحان الحضارة، وضرورة الوصول لخارطة طريقٍ تنهى المأساةَ القائمة، وأوَّل عناصرها أن تتوافر حمايةٌ دوليّة للفلسطينيين، وأكَّد العاهل الأردنى مُعارضة أطروحات «الوطن البديل»، وشدَّد أبو مازن على أن الفلسطينيين باقون على أرضهم ولن يرحلوا.. وكلُّ القادة ومُمثّلى الدول، باستثناء وزيرة خارجية ألمانيا، أزاحوا فكرة التهجير جانبا بالمُمارسة العملية؛ إذ طالبوا بوقف إطلاق النار، ودافعوا عن سلامة المدنيِّين فى مواقعهم، وعن إطلاق عملية سياسية تقود إلى دولتين مُتكافئتين، بدت المواقف مُنسجمة إلى الدرجة الكافية لكَبح الجنون؛ وأهمُّ مفاتيحه التحسُّب من مُراوغة الاحتلال فى ورقة المساعدات؛ إذ يجب ألّا تكون موضوعًا للمُساومة أو الابتزاز، ولا للتمرير حينًا والتشدُّد أحيانًا.. وسواء أُلزِمت إسرائيل من جانب حُلفائها بالتوصيات الدولية، بما لها من قيمةٍ معنويّة عالية، أو تفلّتت منها كعادتها؛ فالصورة النهائية أنها تخوض حربها فى اتجاهٍ مُعاكس للإنسانية، ولإرادةِ عشرات الحكومات وشُعوبها، وتتحمَّل مع داعميها فاتورةَ العار الناشئةَ عن منطق البلطجة، ومُمارسات التطهير والإبادة الجماعية.
أبرز ما فى القمّة أنها وفّرت مساحةً بيضاء فى بيئةٍ دولية تغلُب عليها الرمادية، طوال عقودٍ قال الغرب إنه مع حقّ الفلسطينيين انطلاقًا من «حلّ الدولتين»، لكنّه سار عمليًّا إلى خنق المسار السياسى بالالتفاف والإرجاء، واليوم يدّعون رغبتهم فى التهدئة ويُعبّئون الآلة الإسرائيلية بالذخيرة، مشهدُ القاهرة يسمح بإنتاج رسائل صريحةٍ لا تُناور ولا تتلوّن، بالضبط كما قال الرئيس مع المستشار الألمانى قبل أيام إن «صحراء النقب» أولى بالفلسطينيين، لو صدقت نيّةُ استبقائهم كما يدّعى عدوّهم؛ أوّلاً لأنها أرضهم ونحو ثلثى الغزّيين جاءوا منها، وثانيًا لأن الوصول إليها أقرب لحقّ العودة بدلاً من الترحيل، وهو استحقاقٌ أصيلٌ وثابت كما حقّ البقاء للملايين فى الداخل، وإذا كانت «تل أبيب» تُعلن صراحةً أنها بصدد تقليص مساحة القطاع، أو قسمته إلى إقليمين؛ فإن التوقُّف وسط جنون الحرب، وفَسح الطريق لمُقاربةٍ سياسية ناضجةٍ ومُنضبطة بثوابت الميراث التاريخى للصراع، لا تُحبِط الخُطط العبريّة بحقّ التراب والبشر فحسب؛ إنما تضخُّ الدم فى شرايين الخريطة الفلسطينية مُقطَّعة الأوصال، وتُعسِّر مهمّة ابتلاعها أو تغييبها وراء بطش الاحتلال وشعبوية القادة الأوروبيين.. وربما انطلاقًا من ذلك دعت مصر إلى القمَّة؛ لا لحلِّ القضية التى نعلم أنها ابتعدت كثيرا عن آمال التسوية الوشيكة؛ إنما لتجديد السردية، وتوثيق الجريمة، وحتى يتحمَّل الضمير الإنسانى مسؤوليته أمام الحاضر والتاريخ.
رُوحيّة الدور المصرى تنبع من اتّصالٍ عميق بالقضية، وعنايةٍ مُباشرة بثوابتها فى السّلم والحرب. تأتى القمّة تأكيدًا لمركزية القاهرة على أى طريقٍ نحو فلسطين، وأنها أثبتت بالمُمارسة العملية كونها الطرف الأكثر إخلاصًا ومبدئيّة؛ لناحية صفاء الانحيازات، وعضوية الوَصل بمسألة الأمن القومى، والأهم أنها صاحبةُ تجربة السلام الوحيدة القائمة على توازن القوّة مع إسرائيل، بالمبنى هى طرفٌ أصيل فى المعادلة، وبالمعنى «راع صالح» لشواغل الفلسطينيين، وبإمكانها أن تكون وسيطا نزيها من دون مصالح طارئة أو مُبالغات عاطفية. المُؤكَّد أن الاستعصاء المُستحكم لن يشقّ طريقه إلى الحلحلة فورا؛ إنما يُمكن أن يكون الحدث بدايةَ العودة بالصراع إلى مُربّع السياسة، على الأقل من خلال بلورة تصوُّرٍ دولى واسعٍ يرفض الحرب، ويدعو إلى التهدئة، ويُعوّض قصور المنظومة الأُمميّة عن الاضطلاع بدورها القانونى والأخلاقى، تأسيسًا على غطرسة الدعم الغربى المفتوح لآلة القتل الصهيونية.. إنها مسارٌ إنسانى غايته التعقُّل، وحصار النزعة الانتقامية الصارخة، ومن وراء ذلك تجديد السرديّة فى جوهرها: العِلّة فى الاحتلال، والدواء فى التسوية السلميّة، ولا أمل فى الحرب كما لا بديل عن حلّ الدولتين.
عندما صدر قرار التقسيم قبل ستٍّ وسبعين سنة، منح الفلسطينيين 11 ألف كيلو متر تُمثّل نحو 42% من الأرض، و52.7% للعصابات العبريّة، وأبقى «القدس وبيت لحم» وما حولهما تحت الوصاية الدولية. تغوّلت إسرائيل على العالم والقرار والسكّان الأصليِّين، واليوم تبتلع البلد بكامله تقريبًا؛ إذ لا يتبقّى سوى أقل من رُبع فلسطين التاريخية، وتقضم مُستوطنات الضفّة قرابة نصف المساحة، ويختنق 365 كيلو مترًا فى «غزّة» بحصارٍ من الحديد والنار، الثابت أن كلّ السياسات الإلغائية، وإرهاب الدولة، والالتفاف على مُبادرات السلام، لم تُفضِ إلى إنفاذ سيناريو تل أبيب، الرامى لإزاحة الشعب أو تصفية القضية؛ ومن ثمّ فإن التمادى فى التجاوزات لا يُبشِّر إلا بتكرار الصدامات، لا سيّما أنه لا سبيل إلى شطب المُقاومة، أو إجبارها على تجاوز حقوقها المشروعة، والمصونة بنصوص القانون الدولى.. أمَّا إسنادُ الغرب للاحتلال، وتقاعسه أيّامًا عن الضغط لتمرير المُساعدات، وهيستريا دقّ الطبول وإعلان الولاء لآلة القتل؛ فإنها تصبُّ الزيت على النار.. القمَّة تنزع الغطاء عن التحالف المُشين، فإمَّا ينتج عنها التزامٌ بالمٌحدّدات الإنسانية، أو تنهج حكومة نتنياهو سلوك «الدول المارقة»، وحتى مع غياب قوّة الإلزام، فإن طبيعة اللقاء تُسبغ على «الوصمة الأخلاقية» طابعا دوليا عريضا؛ ربّما يتردَّد صداه فى قلب العواصم الداعمة للجنون الصهيونى.
الشقُّ الأهم فى المشهد؛ أن تجديد الحديث عن الحلول السياسية يردُّ القضية إلى سياقها الطبيعى السليم.. كان التصوُّر فى تل أبيب وواشنطن أنه يُمكن القفز عليها بالتجاهل والإنكار، وتذويب الجبهة العربية عبر اتفاقاتٍ ثنائية، تضع الحلول الاقتصادية بديلًا عن التسوية النهائية للمظلمة التاريخية المفتوحة، الجديد أن العالم يجد نفسه مُضطرًّا للتفتيش فى الماضى بعدما أسقطه من الذاكرة، ونَفض الغبار عن الملفّ ليعود إلى الطاولة بكامل استحقاقاته؛ حتى أنّ «بايدن» نفسه عاد للحديث عن حقِّ الفلسطينيين فى تقرير المصير.. مفاعيل مسارات التطبيع السابقة عند أقل درجةٍ مُمكنة، وما كان يُطرَح من مشاريع تالية ضُرِب بالجمود الطويل، ولم يعد خطاب «السلام مقابل السلام» مُقنعًا بالتخلِّى عن الأرض، وبإلقاء ستّة ملايين فلسطينى فى البحر أو توزيعهم بين القبور ودول الجوار.. المطلوب إنهاء الاحتلال، وليس البحث عن شروط استعبادٍ مُيسَّرة، وهذا الصوت بات أعلى من ضوضاء القنابل والصواريخ الزاعقة فى أرجاء القطاع.
لا يُمكن الوصول إلى قراءةٍ عاقلة قبل إسكات البنادق، الدول الغربية مضت تحت تأثير الصدمة إلى تقديم الخيارات الصفريّة؛ رغم التناقض الواضح مع منظومة قِيَمها وسوابق مواقفها.. خطاب الصهيونية المُتطرّفة اعتمد البطش أداةً وحيدة، وجعل غايته القضاء على «حماس»، أمَّا خبرةُ الولايات المتّحدة فتبدو مُعاكسة؛ إذ عملت كثيرًا مع من حاربتهم أو أنكرت وجودهم، والنموذج الأقرب طالبان الأفغانية، الواقع أن «حركة فتح» نفسها تأسَّست على أكتاف الأصوليّة الدينية، ثم عندما انخرطت فى العمل الوطنى، وزاملت اليسار والقوميين فى مُنظّمة التحرير؛ تبدَّلت أيديولوجيّتها، وصارت لاحقًا الشريك الأكثر اتّزانا فى ماراثون الحوارات الجدليّة ومُناكفات العدوّ التى لا تنقطع، والدلالة أن الاحتلال هو خطُّ إنتاج الراديكالية الإسلامية، والسلام وحده يُمكن أن يُطوِّر الأداء ويُنضِج الأفكار: يُحبّ الأوَّل تديين النزاعات، ويكره الثانى فرز البشر على العِرق أو الاعتقاد؛ ومن ثمَّ فإن الذهاب إلى التهدئة وفتح أبواب السياسة، على شرط الجدّية والإخلاص؛ إمَّا أن يُعيد تشكيل فصائل المُقاومة فى صيغةٍ حداثية براجماتية، أو يُعزِّز ميثاقيّة السُّلطة وقاعدتها الشعبية، وفى الحالين سينخفض التوتُّر فى علاقةٍ عكسية مع كلّ خطوة نحو التسوية الشاملة.
تُبدِى إسرائيل اليوم تبرُّمها من تنامى قدرات حماس؛ لكنها كانت الفاعل الرئيسى فى تَرقّيها.. كان فكُّ الارتباط فى غزّة عام 2005 دون تنسيقٍ مع السلطة الوطنية تمكينًا للحركة، وجاء ابتلاعُها للقطاع على هوى تل أبيب؛ حتى أنها تكفّلت برَفدها بالموارد، وكانت تُمرِّر حقائب الدولارات من مطاراتها بعدما توسَّطت بنفسها لدى الجهة المانحة، أصاب الانقسام غايةً إسرائيلية فى تسويق دعائيات «غياب الشريك»، وحقَّقت الأيديولوجيا الأُصوليّة حالة التديين المطلوبة لترسيخ رواية «يهودية الدولة»، والخُلاصة أن «كتائب القسّام» كانت خيارا صهيونيا بقدر أهمّيتها لدى منظومة المُقاومة؛ وبالمثل كان الاستقطاب وتحريك الفصائل إقليميًّا نحو لافتة المُمانعة سابقًا، وبعدها أجندة الخلافة الإخوانية، ثم إلى المدار الشيعى الصريح حاليًا، وبينما تُفاوض واشنطن رأسَ التيَّار سرًّا وعلنًا فى سوريا ولبنان وغيرهما، تُعاديه وتصِمُه بالإرهاب فى غزّة، هذا التناقض يُلخِّص سُلوك الإدارة الأمريكية مع المسألة الفلسطينية، بين رعاية الحلّ السياسى، وتحصين الرفض الإسرائيلى الدائم له؛ كأنها تتقمَّص الخير والشرّ معًا.. طالما امتلك الغرب المُبادرة التاريخية، وبات واضحًا أنه يضع يده على السرديّة فى نطاقها السياسى والمُؤسَّسى؛ ومن ثمّ عليه أن يخلع السترة العسكرية ويُغادر ميدان نتنياهو، ويُمكن أن تكون قمّة القاهرة «هُدنة العقل» المطلوبة على مقربةٍ من حالة اللوثة وبيئة المأساة.
صحيحٌ أن برنامج التهجير وُلِد ميّتًا، ويبدو أن إدارة بايدن تخلّت عن حماستها له؛ بعد الردود التى قُوبل بها وزير خارجيته «بلينكن» فى مصر وعدَّة عواصم عربية؛ إلّا أن صقور الأرثوذكسية اليهودية المُتسلّطين على الحكومة يمضون نحو خياراتٍ لا تقلُّ سوءًا، الحديث عن اقتحام «غزّة» بريًّا يُلوِّح عمدًا برَفع فواتير الدم، وهى اليوم ستبدأ من قُرابة 5 آلاف ضحية؛ لا من الصفر كما فى الغزوات المحدودة السابقة، المُقاومة يبدو أنها تحضّرت للمُواجهة المباشرة، ما يجعل مُغامرة الاحتلال ذهابًا إلى مجهولٍ مُزعج، ولن يتحصّل منه إلّا إزهاق فُرص العودة للسياسة سريعًا ومن دون رواسب ثقيلة، ربما يكون الهدف فصل القطاع عن الضفّة، أى أن يكون الحسم العسكرى بديلًا عن الاستثمار فى الانقسام سابقًا، هذا الخيار يُهدِّد القضية بقدر التهديد الناجم عن مُخطّط «الوطن البديل»، حتى الآن لا مُرتكَز أكثر صلابةً من «أوسلو»، ورغم ما فيه من صُدوعٍ وتشقُّقات؛ لا يتوافر سياقٌ موضوعى لبحث البدائل، تفعيل خيار السلام من خلال المُبادرة العربية، أو تحت أى عنوانٍ آخر، يبدأ من إعادة الاعتبار لمشروعيّة مُنظَّمة التحرير، ونزول الاحتلال عن شهوة التنكيل بها وإهدار كرامتها، ثم إفساح طريق لبقيَّة الفصائل نحو الانخراط الرشيد فى مُؤسَّسات الحُكم. ربما يتكفّل ذلك بتليين موقف «حماس» وشقيقاتها، وقد ذهبت إلى رفض حدود ما قبل يونيو 1967 والتمسُّك بكامل فلسطين التاريخية؛ ردًّا بالأساس على المُمارسات الصهيونية شديدة الخداع والدمويّة والتطرُّف، شَطبُ «الحلول الإلغائيّة» واجبٌ على الطرفين، والعودة عن إهدار دماء المدنيِّين الغزّيين بداية تصويب المسار.. إسرائيل مُضطرّة؛ لأن الحلول الخشنة أثبتت فشلها، والاستيعاب قد لا يُنهى الصراع قريبًا أو فى المدى المتوسط؛ لكنه يُؤسِّس قاعدةً جديدة، يُمكن الرهان عليها بأثر التجربة والتراكم.
قمّة القاهرة فى مُستهدفاتها العاجلة تخفيض الكُلفة الأخلاقية؛ أوّلًا بالهُدنة ثمّ بتفعيل جهود الإغاثة بشمولٍ واستدامة، وإلى ذلك، إسباغ الحماية على المدنيِّين بإدانة التعرُّض لهم؛ وتجديد حيويّة القضية باستدعاء مشروطيّة احترام الشرعية الدولية، والبحث عن أُفق للحلّ النهائى على ركائز عادلةٍ وشاملة، لا يُمكن فصل الجغرافيا عن البشر طالما ظلَّ سُؤال التسوية السياسية مطروحًا، وتأمين مرافق الحياة فى «غزّة» بمثابة إضافة مقعدٍ إلى طاولة التفاوض.. سُلطة الاحتلال تضع يدها على كل شىء، والمطلوب إرضاء الفلسطينيِّين عند حدود موضوعية مقبولة، ولا تفتئت على الحقوق التاريخية، رمزيّة القمَّة تتأتّى من ثِقَل مصر، ثم من توافق البيئة العربية، وجُرح الضمير العالمى النازف، ومن فجاجة «الدور المُعطَّل»
للمُؤسَّسات الأُمميّة المُختنقة بانحيازات الغرب، ولأنها من مُخرجات اجتماع مجلس الأمن القومى، وجاءت بعد رسائل مُركَّبة فى دلالاتها: من حفل الأكاديمية العسكرية إلى إلغاء الاجتماع الرباعى مع بايدن فى الأردن؛ فإنها تحمل دلالاتٍ أبعد من التشاور أو رَفع الحرج وإبراء الذمَّة؛ لا سيّما مع وضعها بجانب حصيلة الاتصالات واللقاءات الرئاسية التى أكدت مبدئيّة الموقف المصرى، وحذَّرت بوضوحٍ من اتساع رقعة الصراع.. الغطرسة الصهيونية فى ذُروتها، وتستند إلى غطاءٍ غربى غاشمٍ ومُشين؛ إلّا أن الحدث بحضوره الكثيف ورسائله الجادة، قد يفتح كُوّة فى الجدار ويُحقّق انفراجةً إنسانية مُتّصلةً؛ والأهم أنه يُعلِّق الجرس فى رقبة الاحتلال، ويُقيم الحُجّة على داعميه ومنظومة قِيَمهم.. إن تحقَّق الأثرُ المرجو سيعبر العالم امتحانًا صعبًا، ويقطع الطريق على احتمالاتٍ غامضة، وإن انتصر الجنون على العقل؛ فقد تتكبَّد إسرائيل فواتير باهظةً بأكبر ممّا ترفض الالتزام به اليوم، وفى الأخير لن تموت القضية، طالما يعرف الزيتون كيف يحيا فى غابةٍ من الدم والنار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة