وفق النظريات السياسية القديمة منها والحديثة، فإن مقياس قوة الدولة يرتكز على مكوناتها السياسية والاجتماعية والعسكرية، ثم تحديد الأوزان النسبية لعناصرها الفرعية.
وفيما يتعلق بالقدرة السياسية والدبلوماسية، فإن الدولة المصرية بلغت من النضج والحنكة والصبر الاستراتيجى، ثم الأمانة والاحترام والشرف والوضوح فى سياستها خلفا لكواليس قبل المعلنة، ما مكنها من أن تكون رقما فاعلا فى التأثير الإقليمى والعالمى، وهو ما وضح فى نتائج مؤتمر القاهرة للسلام الدولى، الذى عُقد السبت الماضى، وشهد مشاركة فاعلة من زعماء وشخصيات بارزة.
مؤتمر القاهرة للسلام، جوهر أهميته ليس فى اتخاذ قرارات أو إصدار بيانات قوية، فحسب، ولكن أهميته فى الرسائل التى وجهها صريحة ومعبرة، أبرزها التى حملتها كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى، عندما أكد على رفض مصر القاطع تصفية القضية الفلسطينية، عندما قال نصا: «سأكرر وأؤكد للعالم بوضوح ولسان مبين وتعبير صادق وعن إرادة جميع الشعب المصرى فردا فردا، أن تصفية القضية الفلسطينية دون حل عادل لن يحدث.. وفى كل الأحوال لن يحدث على حساب مصر أبدا»، رسالة قوية لا تحتاج لقريحة العباقرة فى تحليلها وتفسيرها.
ومن الرسائل المهمة أيضا للمؤتمر، إعادة القضية الفلسطينية لبؤرة الاهتمام الدولى، مع تصحيح الصورة الذهنية المغلوطة عن حقيقة معاناة الشعب الفلسطينى على أرضه، والتى دشنتها الآلة الإعلامية الدولية غير المحايدة، للتعاطف مع إسرائيل، وكان لها الأثر البالغ فى تعاطف الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، وباقى دول القارة العجوز، وإعلانهم التضامن وتقديم الدعم المطلق للكيان المحتل، وبالفعل لعب المؤتمر دورا مهما فى تصحيح الصورة الذهنية، وإعلاء شأن الحقيقة، فكان التحول الكبير فى موقف الشعوب قبل الأنظمة، وخروجها فى مظاهرات رافضة للحرب على قطاع غزة، وإدانة قتل الأطفال والنساء والشيوخ، فى المستشفيات والكنائس والمساجد.
الدليل ما أشارت إليه بوضوح وكالة بلومبرج الأمريكية، عندما أقرت أن الحرب على غزة أظهرت مصر كقوة إقليمية مؤثرة، وأن أنظار قادة العالم من أمريكا للصين وصولا لألمانيا وفرنسا وإيطاليا، اتجهت صوب القاهرة منذ اندلاع الأزمة، يحدوهم الأمل فى القيادة السياسية المصرية للقدرة على التأثير والحل.
المحللون السياسيون أصحاب القامات الكبيرة، والباع الطويل والجدارة السياسية، يرون أن هناك قدرات للدول منها «التوازن والتفاعل» وبتطبيق هذه النظرية على ما تلعبه مصر حاليا، تستحق بجدارة واستحقاق مكانة بارزة بين الدول الكبرى فى نهج سياسة «التوازن والتفاعل» بنضج مثير للإعجاب والاحترام، وتتسق مع عراقة المدرسة الدبلوماسية المصرية، وقدرات القيادة السياسية على توظيفها التوظيف الأمثل.
وبنظرة محايدة، ومتجردة من المشاعر، وفيها رفعة للحق والإنصاف، على أداء الدولة المصرية متمثلة فى الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى الأزمات الإقليمية والدولية الأخيرة، تجدها بلغت من النضج والحكمة والجدارة السياسية، مرتبة رفيعة المستوى، ترتكز على عدة عوامل رئيسية، أبرزها ثقة الرئيس عبدالفتاح السيسى الكبيرة فى شعبه، وثقة الشعب فى رئيسه، وهى قوة كبيرة تخرج من رحم التلاحم الشعبى والرسمى.
أيضا تستند قوة الدولة المصرية على قدراتها ومقوماتها العسكرية، فى حفظ التوازن الاستراتيجى بين الدول، وبما أن الجيش المصرى هو عصب الدولة المصرية وعمودها الفقرى أمام كل تهديد يمس أمنها القومى، فإنه يظل الرقم الصحيح والقوى والفاعل فى ميزان القوة، ويرسم سياسة التوازن بدقة شديدة.
وفى الختام، فإن الدور الذى تلعبه القيادة السياسية بثبات ونضج وحكمة، حيال الحرب على غزة، يدعو للفخر والاعتزاز، ويبث الثقة المطلقة فى شخص الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى يعى حجم المخاطر، والمخططات الهادفة للنيل من الأمن القومى المصرى بمفهومه الشامل، فيتعامل معها بمهارة وحنكة وجدارة سياسية مبهرة.