فى بريطانيا تم إيقاف سائق مترو من عمله لأنه هتف لفلسطين، وهو ما دفع النائبة فى البرلمان البريطانى ديانا أبوت إلى التساؤل: «تم إيقاف سائق مترو الأنفاق الذى قاد هتاف فلسطين حرة، فهل كان هذا ليحدث لو أنه هتف أوكرانيا حرة؟!».
كانت النائبة تشير إلى الازدواجية التى تتملك من أنظمة أوروبا وأمريكا تجاه العدوان على غزة، وتدفعهم إلى تبرير قتل الآلاف من الفلسطينيين المدنيين، واعتباره دفاعا عن النفس، ويفرقون بين نفس وأخرى، الرئيس عبدالفتاح السيسى أطلق الدعوة إلى «قمة القاهرة للسلام»، وطالب العالم كله بأن يتعامل مع المدنيين جميعا على حد سواء، ويوقف كل عمليات استهداف المدنيين والعقاب الجماعى، والذى يحالف القانون الدولى والإنسانى.
ولم تكن الحرب على غزة، أول نموذج يكشف عن الازدواجية والانحياز الأمريكى والغربى، وغياب معايير حقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بعدوان استيطانى يقتل المدنيين، ويواصل شن حرب إبادة ضد شعب أعزل، مع حصار متواصل تضمن قطع الماء والوقود والكهرباء والاتصالات وكل عناصر الحياة عن غزة من قبل قوات الاحتلال التى تقصف غزة بلا هوادة، بدعم أمريكى واضح، من دون أن يلفت نظرهم عدد الضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ، والذين تتجاوز نسبتهم 80% من الضحايا، فهناك عائلات كاملة، ومنازل ومستشفيات وكنائس تم استهدافها، وكالة غوث اللاجئين «الأونروا»، والمنظمات الدولية، أصدت تقارير عن تعرض موظفيها للقضف وسقوط عشرات منهم فى غزة، ودعت إلى تسهل دخول المساعدات والوقود لأن نقص الوقود أدى لخروج مستشفيات عن العمل، كما أدى لعجز السيارات والشاحنات عن الحركة وتوزيع المساعدات.
كانت جلسة مجلس الأمن مساء الثلاثاء الماضى نموذجا لهذه الازدواجية، حيث تمسكت الولايات المتحدة بإدانة المقاومة، بينما تجاهلت حرب الإبادة، وبدا الغضب ضد الأمين العام للأمم المتحدة عندما طالب بمعيار واحد لإدانة - أو تبرئة - طرف دون آخر، حيث قال أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، إن الوضع فى الشرق الأوسط يتفاقم كل ساعة، الحرب فى غزة قد تنتشر فى المنطقة بأكملها، ما يشكل خطورة بالغة على العالم، وأكد جوتيريش - خلال كلمته، فى اجتماع مجلس الأمن الثلاثاء الماضى، بسبب العدوان الإسرائيلى على غزة - أنه فى لحظة حاسمة كهذه، من الضرورى أن تكون المبادئ واضحة، خاصة فيما يتعلق بحماية المدنيين وضمان عيشهم، وبالرغم من أن جوتيريش ندد بهجمات الفصائل الفلسطينية فى 7 أكتوبر، لكن لم يشفع له هذا، لأنه قال أيضا: «إن هجوم 7 أكتوبر لم يحدث من فراغ، حيث يعيش الشعب الفلسطينى فى احتلال خانق يدوم منذ 56 عاما، وشهد أرضه تلتهمها المستوطنات رويدا رويدا».
ويبدو أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش خرج عن سياق الازدواجية الأمريكية والغربية، عندما قال إن تظلمات الشعب الفلسطينى لا تبرر الهجوم الذى قامت به الفصائل الفلسطينية، ولا تبرر أيضا العقاب الجماعى الذى لحق بالشعب الفلسطينى كافة، وطالب جميع الأطراف بـ«ضرورة احترام القانون الإنسانى الدولى، واحترام المدنيين والمستشفيات ومرافق الأمم المتحدة التى تُؤوى أكثر من 600 ألف فلسطينى، وإسرائيل تقصف غزة بلا هوادة وعدد الضحايا، المدنيين فى تزايد مستمر حتى الآن بشكل مقلق».
واعتبر أنطونيو جوتيريش، أن «حماية المدنيين أهم موضوع فى أى نزاع مسلح، ولا يجب استخدامهم كدروع بشرية، ولا يعلو أى طرف فى النزاع على القانون الدولى، إمدادات الوقود الخارجة من الأمم المتحدة إلى غزة ستنفد بعد وقت قليل للغاية، وهذه كارثة كبيرة، علاوة عن انقطاع الكهرباء والمياه، لذا شعب غزة فى حاجة شديدة إلى تقديم المساعدات له دون قيود».
الأمين العام الأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، واجه هجوما من إسرائيل وحلفائها، بما قد يعرقل إعادة ترشيحه للأمم المتحدة مثلما جرى مع الدكتور بطرس بطرس غالى، الذى عارضت أمريكا التجديد له، بعد أن اصدرت الأمم المتحدة تقريرا أدان إسرائيل فى «مجزرة قانا» التى تم فيها قصف مقر الأمم المتحدة فى قرية قانا بلبنان فى 18 إبريل 1996، حيث قامت قوات الاحتلال الإسرائيلى بقصف المقر بعد لجوء المدنيين إليه هربا من عملية ما تسمى «عناقيد الغضب» التى شنتها إسرائيل على لبنان، وأدى قصف المقر إلى استشهاد 106 من المدنيين وإصابة الكثير بجروح، وقد اجتمع أعضاء مجلس الأمن للتصويت على قرار يدين إسرائيل، لكن الولايات المتحدة أجهضت القرار باستخدام حق النقض «فيتو»، وبسبب تقرير الأمم المتحدة الذى ادان الاحتلال، تم رفض التجديد للأمين العام مرة ثانية.
وهو نفس ما يجرى حيث تتواصل الازدواجية، وتوقف أى قرارات تدعو لوقف القصف على المدنيين والعقاب الجامعى، وتبقى الولايات المتحدة والمعسكر العربى، بازدواجية، تواجه روسيا فى أوكرانيا، وتدعم إسرائيل فى فلسطين، والمفارقة أن أوكرانيا تدعم الاحتلال ضد أصحاب الأرض!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة