نتنياهو وغزة ومعضلة البحث عن انتصار.. مشاهد الدمار ودماء المدنيين في القطاع فشلت في إقناع الداخل الإسرائيلي.. مصر حرمت الاحتلال من الاستفادة من "اختلال" المواقف الدولية.. وأفشلت مخطط التهجير لتصفية القضية

الأحد، 19 نوفمبر 2023 03:20 م
نتنياهو وغزة ومعضلة البحث عن انتصار.. مشاهد الدمار ودماء المدنيين في القطاع فشلت في إقناع الداخل الإسرائيلي.. مصر حرمت الاحتلال من الاستفادة من "اختلال" المواقف الدولية.. وأفشلت مخطط التهجير لتصفية القضية قطاع غزة
بيشوى رمزى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
في الوقت الذي نجحت فيه الدولة المصرية من تغيير مواقف العديد من الدول الأوروبية في الآونة الأخيرة، يبدو أنها حققت إنجازا آخر، على صعيد الحالة الإقليمية الجمعية، والتي تتجسد في الاتحاد الأوروبي، وهو ما بدا في الزيارة الأخيرة التي أجرتها رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إلى القاهرة، والتي تمثل امتدادا للزيارات التي أجراها العديد من زعماء العالم لمصر، خلال الأسابيع الماضية، إدراكا منهم بأهمية الدور الذي تقوم به الدبلوماسية المصرية في إدارة الأزمات في محيطيها الدولي والإقليمي، سواء في إطار العدوان الحالي على قطاع غزة، أو قبل ذلك خلال الأوضاع في السودان، أو فيما يتعلق بالتهديدات التي طالت الإقليم بأسره، خاصة ملف الإرهاب، أو احتواء الفوضى الناجمة عن الربيع العربي.
 
وبالنظر إلى الإنجاز الذي حققته الدبلوماسية المصرية فيما يتعلق بتحقيق توافق "عابر" للمواقف، في ضوء الموقف الأوروبي المعروف بانحيازه للدولة العبرية، نجد أن ثمة أبعاد أخر، ربما لا يلتفت إليها البعض، وأبرزها تقويض أي فرصة أمام الاحتلال لتحقيق "انتصار" ولو شكلى في معركته الحالية في القطاع، خاصة مع حلقات ممتدة من الفشل بدأت منذ أكثر من شهر، من القصف المتواتر والعدواني على السكان المدنيين العزل، وما أسفر عنه من ضحايا تجاوزوا الـ10 آلاف شهيد، معظمهم من النساء والأطفال، جراء قصف المساكن والمستشفيات ودور العبادة، بينما مازال لم يتحقق الهدف المعلن للعدوان وهو القضاء على الفصائل الفلسطينية، في إطار حملة انتقامية في أعقاب عملية "طوفان الأقصى".
 
ولعل مفاهيم "الانتصار" العسكري، شهدت تغييرا كبيرا خلال العقود الماضية، فلم تعد قاصرة في جوهرها على التدمير والقتل، على غرار السائد خلال الحروب العالمية وما تلاها، وإنما باتت مرهونة بالتغيير الملموس بناءً على الهدف الرئيسي من العملية برمتها، وهو الأمر الذي تجلت بوادره، على سبيل المثال، إبان الحرب الأمريكية على العراق، حيث تمكنت القوات الأمريكية من إسقاط النظام الحاكم حينها، بل وسيطرت على العاصمة بغداد، إلا أنها فشلت على مسارات أخرى، أولها على الصعيد الميداني، وهو ما بدا فى عجز القوات الأمريكية النظامية عن مجابهة الميليشيات المسلحة في إطار ما يسمى بـ"حروب الشوارع"، بينما لم تحقق، في مسار آخر، على صعيد الداخل العراقي، في تغيير البنية السياسية وتحويلها إلى "الديمقراطية" في تلك اللحظة، لتحقيق حياة أفضل للعراقيين، بل كانت النتيجة هي تفشي الإرهاب، والذي تفحش في المدن العراقية، إلى حد السقوط في مستنقع الحرب الأهلية، في حين كان المسار الثالث على الصعيد الدولي، جراء الفشل الأمريكي في إثبات صحة ما ادعته حول امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، وهو ما أجبر حلفاء واشنطن، وعلى رأسهم رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير على الاعتذار.
 
وهنا تصبح السيطرة على الشوارع والمدن وعدد الضحايا والقتلى ليست معايير حقيقية لـ"الانتصار" في المعارك التي تخوضها الدول، وهو ما يعد بمثابة المعضلة الرئيسية أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في اللحظة الراهنة، خاصة مع حالة من فقدان تام للثقة سواء داخل أروقة الحكومة أو في الشارع الإسرائيلي، في قدرته على تحريك المشهد، رغم وحشية العدوان وسقوط آلاف القتلى.
 
فلو نظرنا إلى القطاع نفسه، نجد أن ثمة فشلا إسرائيليا ذريعا في تحقيق الهدف المعلن والمتمثل في القضاء على الفصائل المسلحة، أو تحرير الأسرى الإسرائيليين، وهو الأمر الذي ترجمته تظاهرات مواطني الدولة العبرية في قلب تل أبيب، للمطالبة بوقف إطلاق النار، بل والاحتشاد أمام السفارة المصرية هناك لإدارة ملف الأسرى، في خطوة تمثل صفعة قوية لحكومة نتنياهو، و"شهادة فشل" من بني شعبه حول الطريقة التي يدير بها الملف.
بينما على الجانب الميداني، فتتجلى قوة جيش الاحتلال فقط في استهداف المدنيين العزل، وعلى رأسهم النساء والأطفال والشيوخ، الذين لا حول لهم ولا قوة، في الوقت الذي تواجه فيه صعوبة كبيرة في اقتحام القطاع، ومواجهة حرب الشوارع، وما ينجم عنها من خسائر كبيرة في الأرواح، ناهيك عن الملايين التي تتكبدها الخزانة الإسرائيلية في إطار معركتها إلى حد إقدام السلطات على بيع ملايين الدولارات من النقد الأجنبي.
 
وأما على المستوى الدولي، فالخسائر تبدو فادحة، جراء التحولات الكبيرة في المواقف الدولية، وأبرزها في المعسكر الموالي لإسرائيل، وهو ما يبدو في العديد من المواقف الأوروبية، والتي وإن بدت منقسمة، في ظل تمسك بعض الدول بدعمها للاحتلال، إلا أن قطاعا أكبر اتجه نحو مواقف أكثر اتزانا، وهو ما يبدو على مستوى أوروبا الموحدة، والتي تبنت دعوة وقف إطلاق النار، بعدما كان الخطاب السائد، يدور حول حق إسرائيل في "الدفاع عن النفس"، بينما أبدت رفضها لدعوات التهجير القسري، ناهيك عن تأكيد دعمها لحل الدولتين، والذي سعى الاحتلال إلى تقويضه، وهو ما بدا كذلك في مواقف دولا بالقارة العجوز، وآخرها أسبانيا، والتي أكد رئيس وزراءها بيدرو سانشيز على مناقشة الاعتراف بدولة فلسطين داخل حكومته.
 
وفي الواقع، تبقى الدبلوماسية المصرية هي اللاعب الرئيسي في تقويض فرصة "البحث عن انتصار" أمام الاحتلال في معركته الحالية في قطاع غزة، حيث تمكنت بكفاءة كبيرة في قراءة الأهداف الحقيقية من وراء العدوان، والتي تدور حول تصفية القضية وحرمان الفلسطينيين من تأسيس دولتهم، لتتمكن من بناء توافق "عابر" للمواقف، حول الثوابت، لتحشد خلفها جزءً مهما من القوى الموالية لها، نحو مواقف أكثر اتزانا، مما يجرد الحكومة الإسرائيلية من أحد مصادر قوتها.
 
وهنا يمكننا القول بأن نجاح الدبلوماسية المصرية في إدارة أزمة غزة، لم يقتصر على مجرد الانتصار لفلسطين وثوابتها، وإنما تجريد الاحتلال من كل الفرص التي قد تساعده في الترويج لـ"انتصار زائف"، سواء أمام الداخل الإسرائيلي الذي لا يبدو مقتنعا بما تنقله الكاميرات من مشاهد الخراب والدمار، خاصة مع العجز عن الاقتحام أو تحرير الأسرى، من جانب، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية من جانب آخر، بينما يبقى الاعتدال النسبي في المواقف الدولية صفعة أخرى، تقوض فرصته في استغلال الزخم الناجم عن "طوفان الأقصى" لتصفية القضية.
 









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة