- الهيئة الوطنية للانتخابات نجحت فى تنظيم وتنفيذ الانتخابات بكفاءة وضمانات للشفافية للمرشحين والناخبين
- الأحزاب والمرشحون يمكنهم المساهمة فى توسيع العمل العام.. وتحالف العمل الأهلى و«حياة كريمة» لعبا دورا مهما فى التوعية والعمل التطوعى
- الحوار الوطنى فتح باب المشاركة والتوافق على أولويات العمل فى السياسة والاقتصاد للمرحلة المقبلة
سوف تستمر أصداء الانتخابات الرئاسية لفترة قادمة، ومن المؤكد أن مراكز أبحاث داخلية وخارجية تسعى لقراءة وتحليل الانتخابات الرئاسية شكلا ومضمونا، سواء من حجم وشكل الحضور والتصويت، والكيف الذى أنتج الكم، بجانب الأرقام هناك مؤشرات وعلامات، يمكن أن تشكل قاعدة لرسم تصورات لشكل المستقبل القريب والمرحلة القادمة فى العمل العام عموما، والعمل السياسى والأهلى على وجه الخصوص، وهناك أطراف فازت فى هذه الانتخابات، وطرف أو أطراف خسرت الرهان، أو أخطأت فى قراءة المشهد، وصادرت واستبقت، وراهنت على عدم الحضور، وصدمتها الصورة التى تشكلت طوال أيام الانتخابات، وهذا الحضور الكثيف، وفقدت تحكمها وانطلقت تهاجم الشعب، الذى خاطبته للتحريض أو لنشر اليأس.
الشعب المصرى وجه رسائل مهمة بالحضور الكثيف، وغير المسبوق أمام صناديق الانتخابات الرئاسية، ثقة فى الدولة، وأملا فى المستقبل والقدرة على مواجهة التحديات بوحدة وتنوع، وجاءت الانتخابات وسط أجواء إقليمية شديدة التعقيد، بسبب العدوان الإسرائيلى على غزة، والذى يستقطب الاهتمام من قبل المصريين رسميا وشعبيا، فضلا عن أن العدوان كان كاشفا عن مخططات ومحاولات معقدة، بجانب أنه كشف عن حجم التحديات التى واجهتها الدولة طوال أكثر من عقد، وهى تحديات يعرفها المصريون ويدركون خطورتها، وتمثل إحدى دوائر التهديد والخطر، والتى تستدعى تعاملا دقيقا بجانب العمل فى كل الملفات المتشابكة، وساهمت فى هذا الحضور، مع رهان على امتلاك القدرة على مواجهة التحديات الحالية والقادمة، بنفس القدرة على التعامل باحترافية مع الملف المتعلق بالأمن القومى.
كل هذه عناصر حكمت الانتخابات وكشفت عن وعى كبير، وأظهرت جهات ومؤسسات ساهمت فى نجاح العملية الانتخابية، وتبشر بالمزيد من الخطوات تجاه بناء المستقبل، وحل المعادلات القائمة، والقدرة على تقديم إجابات لأسئلة مطروحة فيما بعد إعلان النتيجة وتولى الرئيس لإدارة مرحلة شديدة الحساسية.
تأتى الهيئة الوطنية للانتخابات فى مقدمة الجهات التى ساهمت فى تنظيم الانتخابات بدءا من إعلان التواريخ والجداول الخاصة بالترشح والدعاية وصولا إلى عملية التصويت، ومنذ أعلنت عن الجداول مع الحرص على تنفيذها بدقة، وفرض قواعد عامة تحكم الجميع وتُسهل على المرشحين والناخبين المشاركة بسهولة، ونجحت فى أن تقف على مسافة واحدة من المرشحين الأربعة، وألزمت كل الأطراف بقواعد محددة، وكفلت فرصا متساوية لجميع المرشحين لطرح برامجهم، مع الالتزام بقواعد تمويل الحملات وإدارتها، أعلنت الهيئة مواقيت الانتخابات الرئاسية بدقة ووضعت ضمانات تتيح الفرصة للمنظمات المدنية والصحفية والإعلامية بالداخل والخارج متابعة الانتخابات بعد التسجيل فى موقع الهيئة، والحصول على التصاريح المتعلقة بذلك، كما هو متبع فى مثل هذه الفعاليات، وساهمت الهيئة العامة للاستعلامات فى تنظيم وتسهيل عمل المراسلين الأجانب، ووجد أكثر من 528 مراسلا لصحف أجنبية فرصة للعمل والمتابعة ونقل عملية الانتخابات والتصويت بشكل مناسب.
الهيئة الوطنية للانتخابات
الهيئة الوطنية للانتخابات كانت تنفيذا للدستور، واتجاها حديثا يفرض وجود هيئة مستقلة لها كل الصلاحيات فى تنظيم عملية الانتخابات من البداية حتى إعلان النتائج، وبالرغم من انتهاء الإشراف القضائى فقد طالب الحوار الوطنى باستمراره، لفترة، وهو ما ضاعف من حجم الثقة، وقفت الهيئة على مستوى واحد ومسافة واحدة تجاه كل المرشحين، ونجحت فى توظيف قواعد المعلومات، وأتاحت فرصة كبيرة لملايين الناخبين الذين تواجدوا بعيدا عن لجانهم الانتخابية، وهو ما مكن هؤلاء من ممارسة حقهم فى التصويت.
وبشكل عام فقد نجحت الهيئة فى تقديم تجربة مهمة فى تنظيم الانتخابات وإتاحة الفرصة للمرشحين والناخبين، وهو ما يستدعى استمرار عمل الهيئة الوطنية للانتخابات فى كل استحقاقات انتخابية، سواء انتخابات نواب أو شيوخ أو حتى مجالس محلية، وهو ما يضاعف من الثقة فى هذه الاستحقاقات وينتج مجالس متوازنة ومعبرة عن الشعب ومصالحه وتوجهاته.
الانتخابات الرئاسية جرت بإشراف وتحت سلطة الهيئة الوطنية للانتخابات، تحت إشراف قضائى كامل، قاضٍ على كل صندوق، بناء على توصية الحوار الوطنى باستمرار الإشراف القضائى، وهذه الانتخابات تمثل خطوة تتلوها خطوات لانتخابات محلية أو نواب وشيوخ خلال عام، كما كان وجود الشرطة المدنية مهما وفاعلا فى تنظيم وتأمين العملية الانتخابية خارج اللجان، بينما القضاة يفرضون القواعد داخل اللجان، فى مشهد أيضا معبر عن تعاون وتوافق لإنجاح الانتخابات.
الأحزاب والمرشحون نظرة للمستقبل
خلال السباق الانتخابى كان هناك 3 مرشحين رؤساء أحزاب، هم حازم عمر عن حزب الشعب الجمهورى، وفريد زهران عن الحزب الديمقراطى الاجتماعى، وعبدالسند يمامة عن حزب الوفد، وتحرك المرشحون وترددت أسماء الأحزاب، بل والمرشحون، فى مؤتمرات أو فعاليات ولقاءات بالإعلام، بجانب أحزاب أخرى تعتبر حديثة لكنها أصبحت معروفة فى الشارع، ولعل هذا الحراك الحزبى يمكن أن يستمر ويتزايد ليخلق استقطابا، وربما على الأحزاب أن تسعى للعمل وتعديل صورتها وأدائها، فنحن أمام أكثر من 100 حزب، بعضها مجهول، والبعض الآخر متشابه، مع تحالفات انتخابية أو سياسية، وكل هذا الواقع يتطلب تحركا من الأحزاب الجادة لاستقطاب عضويات وشباب، خاصة أن نسبة الشباب الذين صوتوا فى الانتخابات الرئاسية كبيرة، ويمثل هؤلاء قاعدة للعمل العام، سواء العمل السياسى فى الأحزاب، أو العمل الأهلى فى الجمعيات والمجتمع المدنى، الذى يفترض أن يمثل الجناح الآخر فى العمل العام، ومن الضرورى أن تكون هناك حياة سياسية تستقطب الشباب، وتنظم طاقاتهم.
العنصر الآخر الظاهر فى الانتخابات كان المجتمع الأهلى والمدنى والمتطوعون، سواء فى التحالف الوطنى للعمل الأهلى، أو مؤسسة حياة كريمة، وكلاهما ساهما فى التوعية بالانتخابات والمشاركة، وظهر الآلاف من الشباب المتطوع الذى لعب دورا مهما فى الاستعداد للانتخابات، وهذه المنظمات تمثل معينا للعمل العام، خاصة مع انتظار مرحلة تتضمن توسيعا للمجال العام والعمل العام، سياسيا وأهلية، وبجانب الأحزاب والتيارات السياسية، فإن الجمعيات الأهلية والمدنية تمثل رافدا مهما للكوادر فى العمل التطوعى والعام، وخلال شهور قليلة أصبح التحالف الوطنى للعمل الأهلى مؤسسة كبيرة، تستقطب المنظمات والجمعيات الأهلية وتركز توجيه العمل الأهلى بشكل منهجى يتماشى مع النمو السكانى، ومع عصر المعلومات فهو يهدف ببساطة إلى تنسيق جهود الجمعيات الأهلية والخيرية، بما يضاعف من قدرتها على تقديم خدماتها فى كل المحافظات، ويصل إلى المحافظات البعيدة التى عانت من التجاهل على مدى عقود.
وبالتالى فإن الانتخابات تفتح مجالا للأحزاب والجمعيات لإعادة تنظيم نفسها، وتعطى فرصة أكثر للمشاركة من قبل الشباب والمرأة والفئات المختلفة، استعدادا للمشاركة فى العمل العام بما يناسب الحال ما بعد انتخابات الرئاسة، لمن يريد ويرى أن هناك تغييرا فى الشكل والمضمون يشجع على العمل السياسى، أو الأهلى، بصورة أكبر تتناسب مع حجم السكان، ومع مطالب الجمهور.
شرعية كبيرة ومسؤوليات جسيمة
وإذا كان الأمر يتعلق بما بعد الانتخابات، وبدء مرحلة حصل فيها الرئيس على شرعية كبيرة بهذا العدد من الأصوات، فإنه يحمل مسؤوليات كبيرة تتعلق بإدارة كل الملفات الخاصة بالدولة، سواء ما يتعلق بملفات الأمن القومى والسياسة الخارجية، أو الملفات المتعلقة بالداخل وما يخص الاقتصاد والإصلاح الاقتصادى والمالى بشكل يخفف من تأثيرات هذا الإصلاح على معيشة المواطن، ويقلل من تأثيراته على حياة الأغلبية من المواطنين، وإذا كنا نشير إلى الملفات الأهم، هناك نقاط وضعها الحوار الوطنى، تمثل توصيات توافقت عليها التيارات والأحزاب السياسية التى شاركت فى هذا الحوار وتمثل مطالب متوافق عليها ربما تمثل خطوطا مهمة لعمل الدولة خلال المرحلة المقبلة.
فقد مثل الحوار الوطنى نفسه تحولا ضاعف من أبواب وفرص المشاركة، وإدارة التنوع فى المجتمع وإعطاء شعور للجميع بالمشاركة، ونجح فى إقامة جسور للثقة بين الأطراف المشاركة فى الحوار، ومساحة لاستيعاب الآراء المختلفة، وخلال الحوار ظهرت آراء متنوعة كشفت عن الارتباط بين الملفات والمحاور المختلفة، باعتبار أن التجربة العملية والتفاصيل تنقل النقاش من الجانب النظرى إلى التطبيق على الواقع، وتتيح طرح بدائل أو الاختلاف فى التفاصيل، حيث يرتبط الاستثمار والاقتصاد بالإصلاح الإدارى، والمشاركة السياسية ترتبط بالوعى والتعليم، والإعلام، ومدى القدرة على طرح وجهات النظر والتنافس بين البرامج المختلفة، من خلال وجهات نظر متماسكة.
هناك أهداف متفق عليها، لا سيما فيما يخص أولويات العمل الوطنى، رأت بعض التيارات أن المحور السياسى له أهمية، بينما آخرون أعلنوا أن الاقتصاد والتضخم والتحولات العالمية والأزمة العالمية، تتطلب أولويات أكثر، وهناك من يرى أيضا أن الملف الاجتماعى أهم، مع الأخذ فى الاعتبار أن الملفات متشابكة وبعضها قد يحتمل نقاشات سياسية، والبعض الآخر سيكون من مهمة الخبراء، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الفنية، بما يجعل هناك فرصة لوضع أولويات العمل الوطنى من خلال التوافق والمناقشة وقد يتفق الجميع فى الأهداف ويختلفون فى بعض التفاصيل والسياسات، مع الأخذ فى الاعتبار أن الخلاف، ليس فقط بين طرفين، لكنه بين تنوع حقيقى للآراء والأفكار فى القضايا السياسية والاقتصادية.
الحوار الوطنى وإدارة التنوع
شهد الحوار الوطنى، نقاشا فى المحاور السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومثل الإصلاح الإدارى أهمية قصوى وحظى بتوافق عام لأنه يتعلق بحياة الناس وجودة الحياة، ويتطلب أكبر قدر من الدقة والشجاعة فى المعالجة، والتعامل مع الجهاز الإدارى، بالشكل الذى يتناسب مع حجم التحديات والتطور التكنولوجى والإدارى فى العالم، وفى نفس الوقت يراعى الواقع الاجتماعى، بجانب ربط التعليم باحتياجات سوق العمل والتعليم التقنى والذكاء الاصطناعى والتخصصات الحديثة فى التكنولوجيا والتعليم الفنى، بما يناسب أهداف التوسع الصناعى والتكنولوجى مع أهمية الحفاظ على فرص عمل تتناسب مع حجم النمو السكانى.
ساهم الحوار الوطنى فى رسم خريطة المستقبل، وبدا بعد أن هزمت الدولة الإرهاب وتجاوزت الكثير من التحديات، تسعى لرسم خارطة المستقبل، وتتيح المزيد من التنوع والانفتاح للأحزاب والتيارات السياسية والمدنية، بما يتيح لها تقديم نفسها وتوسيع مشاركتها بالعمل العام والمجتمع، والسباق فى المحليات والمجالس النيابية.. وتوسع المجال العام، للتعبير والتنوع، ضمن مرحلة تتناسب مع واقع جديد لرسم خارطة المستقبل، وأكد انفتاح الدولة على الجميع، والاستجابة لمطالب الحوار الوطنى فيما يتعلق بالقضايا العاجلة، حيث تم تفعيل لجنة العفو الرئاسى، وتلبية مطالب الحوار الوطنى بمد الإشراف القضائى على الانتخابات، وتوصيات مهمة فيما يتعلق بالمجلس الأعلى للتعليم، وقوانين الوصاية ومفوضية منع التمييز، وقانون تداول المعلومات، بما يساهم فى توسيع المجال العام، بجانب تفعيل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.
الانتخابات الرئاسية، بمشاركة عشرات الملايين من المصريين، تمثل شرعية للرئيس وترتب مهام على الدولة والحكومة والمجالس النيابية والمجتمع الأهلى، وتضع الرئيس ومؤسسات الدولة أمام مسؤوليات كبيرة فيما يتعلق بالملفات الخارجية والإقليمية والأمن القومى، وأيضا الملفات الداخلية فيما يتعلق بالاقتصاد والمجتمع والمجال السياسى، والسعى لأفضل طرق الإنفاق والتدبير، وخلق فرص عمل والتوسع فى الصناعة، والزراعة، بعد وضع بنية أساسية قوية وممرات تنمية يمكن أن تستقطب استثمارات وتضاعف من قدرة الاقتصاد على توليد القيمة، وقد تكون البداية فى طمأنة المجتمع تجاه المستقبل القريب فيما يتعلق بالأسعار وضبط السوق، ومواجهة الاحتكارات، ومضاعفة الرقابة وأدوات تنظيم اقتصاد السوق فيما يتعلق بتوازن السوق والأسعار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة