منذ أن تم الإعلان عن رؤية مصر 2030 كان للثقافة مكانها الواضح كركن من أركان هذه الرؤية، من منطلق أن بناء الإنسان يتوازى إن لم يتقدم على مشروعات التنمية، وهو الأمر الذي يكون في أقصى معدلات فائدته إن تم على وجهه الكامل في الحفاظ على مكتسبات التنمية، فبدون وعي للمواطنين لن تجد مردودا حقيقيا للمشروعات التنموية بل بالعكس يمكن للوعي الناقص أن يكون معوقا تنمويا كبيرا.
من ناحية أخرى تواجه مصر حروبا شرسة تستهدف في الأساس جذرها التاريخي، هي نفسها الحروب التي تحاول محو أي قوميات لتحل محلها أنماط الإنسان العالمي المهيأ لاستهلاك ما تنتجه الشركات المتعدية للجنسيات، وهو الأمر الذي يصعب على تلك الشركات إذا كان للمواطن جذر حضاري يتمسك به، وهو الأمر الذي استهدفته رؤية مصر بالتركيز على الهوية المصرية بكل درجاتها وطبقاتها.
من هنا لم تكن أحداث مثل موكب المومياوات ولا افتتاح طريق الكباش وغيرها، لم تكن مجرد احتفاليات ظاهرية أو حتى المستهدف منها سياحي فقط، ولم يكن الإعداد لافتتاح المتحف المصري الكبير مجرد حدث دعائي مصري، بل إن كل هذه الأحداث وغيرها تذهب بنا إلى المدى الأبعد، ألا وهو تنمية الشعور بالانتماء لحضارة الوطن وجذره التاريخي وهي أمور لا تقف عند حد الكلمات الرنانة لكنها قادرة على إنبات روح جديدة غير تلك التي حاولت بقايا الاستعمارية زرعها، حين أقنعت نفسها وأقنعتنا لبعض الوقت بأن هناك أفضلية لجنس غربي هو الأحق بقيادة العالم.
يمكننا النظر إذن إلى القضية بتشابكاتها القومية والأيديولوجية والسياسية والاقتصادية لكن يبقى أن هناك تحرك واضح قد بدأ من الدولة المصرية لاستشعار قوة الانتماء واستثماره من خلال أحداث وبرامج تمت على مدار السنوات العشر الماضية، وهو الأمر الذي يحتاج إلى كثير من العمل عليه لبلوغ ثمار هذا الاستثمار، كأن يتم استنساخ موكب المومياوات مثلا بأحداث مثيلة، وإن لم تكن على نفس الدرجة من الضخامة، ليتم وضع أثر مصري قديم في الميادين الكبرى في عواصم المحافظات، بدلا من وضعها في المخازن، على أن يتم ذلك في احتفال شعبي خاص بكل محافظة في عيدها القومي مثلا، لنستطيع بذلك صناعة رابط واضح بين المواطنين في كل الأقاليم وبين هويتهم وحضارتهم.
هل يمكن أن نحلم في الإطار ذاته بأن تكون الثقافة في الجمهورية الجديدة موردا استثماريا بالإضافة لكونها الحصن الأساسي لهذه الهوية، وكيف يمكن أن تتعدل رؤية المواطن العادي لفكرة الثقافة بوصفها ركنا من أركان حياته، وليست مجرد أفكار وكلمات ربما لا تؤثر جوهريا في حياته كما هو السائد، وكيف تتشابك الخطط المتعلقة بالثقافة بكل جوانب الحياة بما فيها التعامل مع المجال العام والرياضة والتعليم والعمل العام.
إن الأفكار في مثل هذا النحو كثيرة وعلى بساطتها يمكن لأثرها أن يكون كبيرا، والأهم هو ربط كل ذلك بالجمهورية الجديدة التي بدأت للتو مرحلة جديدة في تاريخها والتي نرنو جميعا لأن تكون مرحلة فارقة في تاريخ مصر الحديث.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة