لا تُكرِّر الأيام نفسَها؛ غير أننا ونحن نُودِّع عامًا ونستقبل آخر، نبدو كمن يُعانى انعكاس الماضى على ماء الحاضر، لم تكن 2023 سنةً بسيطة فى أىٍّ من تفاصيلها، وتلك عادةُ المنطقة العربية فى كثيرٍ من سنواتها، وربما عادةُ العالم أيضًا فى آخر عقوده. ولأننا نعيشُ فى دراما الآخرين؛ سواء أردنا ذلك أو رفضناه؛ فإنّ حكايتنا لا تنقطع عن حكاياتهم، وما يطبخونه فى مطابخهم نتفاجأ به كثيرًا على موائدنا وفى صُحوننا، لنا أحلامُنا وتحدّياتُنا والأزمات التى تُخلِّقها عادياتُ أيّامنا، كما لنا حظٌّ من كوابيس الجيران ومشكلاتهم، أعداء كانوا أو أصدقاء. وبينما تكتحلُ عيونُنا بشىءٍ من الهَمِّ والأمل، وننتصبُ على قارعة الوقت؛ مُبتئسين من العام الراحل ومُستبشرين بالعام الآتى، فقد لا تكون جَردةُ الحساب مُرضِيةً أو مُغنيةً؛ إنّما الكنز فى الرحلة رغم مُعوِّقاتها، والمفازة فى أنّنا عبرنا الصعبَ. والضربةُ التى لا تقتل؛ تشدّ العُود وتسند القلب.
قبلَ خمس عشرة سنة من اليوم، أُوقِدَت أضواءُ الاحتفال فى أنحاء الأرض، بينما كان العالم يئنُّ من وجيعة الاقتصاد، وأهلُ غزّة يتلقَّون رصاص إسرائيل «المصبوب» بوحشيّةٍ وجنون، شهدت 2008 الموجةَ الأشرس من أزمةٍ مالية اندلعت فى الولايات المتحدة، كان سببها انكشاف ملف الرهن العقارى، وتوريقه وتداوله فى أسواق المال؛ بكل ما فى ذلك من عوار، وأفضى الاهتزازُ إلى إفلاس نحو 19 بنكًا أمريكيًّا، وإلى تأثيراتٍ مُتداخلة على الفائدة والائتمان والتضخُّم وسلاسل الإمداد، وخلال الأسبوع الأخير أطلقَ الصهاينةُ حربَهم على القطاع، كما يحدث اليوم، لتمتدّ إلى ما بعد مُنتصف يناير، وتحصد نحو 1300 قتيل و5 آلاف جريح، وقتها تضرّرنا من تسلُّط واشنطن على الأسواق، ومن غطرسة الاحتلال فى فلسطين، والآن كأنَّ التاريخ يُعيد نفسَه؛ لكنه ليس فى صيغة المهزلة أو الملهاة كما قال ماركس؛ بل كمأساةٍ كاملةٍ وشديدة الوقاحة والسواد.
نرفعُ قدمًا فى الخُطوة الأخيرة من 2023؛ لنضعها فى 2024.. وألاعيبُ الدول الكبرى تشقُّ بطونَ الفقراء فى بلدانهم النامية بسكاكين حادّة، وآلةُ القتل تفترس أرواحَ الغزِّيين من دون رحمة، وما حدث فى آخر العقد قبل الماضى يتكرَّر اليوم بتنويعةٍ جديدة، الغباوةُ الأمريكية استفزَّت الدبَّ العجوز فى صقيع روسيا؛ فكانت حرب أوكرانيا بكل ما فيها من ضغطٍ على السياسة والتجارة، ومن ازدواجيّةٍ صارت أشدَّ تبجُّحًا بعدما أعلن مخابيل تل أبيب عُدوانهم الحارقَ على المدنيِّين، وإن كانت مصر تُسدِّد مع غيرها من دول الجنوب فواتير مُغامرات الناتو فى أوراسيا، فإنها تتكبَّدُ مشقّةَ البحث عن مخارج عقلانية من الانسداد على الحدود الشرقية، وتمشى على حبلٍ دقيقٍ من الموازنة بين إسناد الضحيّة وتطويق أجندة القاتل، ولَملمة أثاث البيت الفلسطينى؛ وقد تبعثَّر بين جبهاتٍ وتيّارات وتحالفاتٍ ومصالح شخصية، وقليلٌ من أهل الأرض يُخلصون لها بتجرّدٍ صافٍ، والأكثريةُ تشغلهم حساباتُ الرُّعاة والمُموِّلين عن أنفسهم ومصالح وطنهم، وليس أشقّ على بلدٍ كبير، من أن يأخذ على عاتقه ترويضَ الصغار وكبح نزواتهم، سواء كان الصغير مُسلَّحًا بالتوراة والقنابل الأمريكية وانحياز الغرب، أو كان مُفخَّخًا بخطابٍ أُصولىٍّ ونوايا مذهبيّة، وميليشيات تُظهِر له المودَّةَ، وتُبطن السوءَ لفلسطين ومُحيطها كاملا.
أدقُّ ما ينطبق على 2023 أنه «عام التحديات»، تُلازمه الصفة فى كلِّ الخرائط تقريبًا؛ لكنها أوقع ما تكون فى الحالة المصرية. الدولة التى عانت فوضى قاسية منذ مفتتح 2011، عبرت حقلا من الشوك لأكثر من سنتين، وصلت فى آخرهما إلى الاصطدام بمخاطر وجودية حقيقية، حملها «الإخوان» بخطابهم الرجعىِّ ومُمارساتهم غير الوطنية؛ ثم كانت خطوة التصحيح فى منتصف 2013؛ لكنَّ الشوك صار ألغامًا وقنابلَ وإرهابًا يستهدف المُؤسَّسات والأفراد دون تمييز.
وقد قطعت شوطًا طويلاً من المُعاناة والنزيف وانعدام الأمن؛ لكنها شقَّت بالتوازى مسارًا إصلاحيًّا غايته تجفيف رواسب الماضى، وإرساء قاعدة ترفعه إلى الحاضر وينطلق منها للمستقبل، ومنذ 2017 تشكَّلت ملامحُ التجربة، وأثمرت ما يُرَى بالعين المُجرَّدة فى العُمران والبنية التحتية والرعاية الاجتماعية والاستثمار، ولم يخلُ المشهد من مُنغّصاتٍ؛ كما فى احتضان بعض الدول للإخوان، أو فى الحرب التجارية بين أمريكا والصين قبل خمس سنوات، ثمَّ أطلَّت «جائحة كورونا» بانتكاسةٍ ضربت أرجاء العالم، وما إن بدأت مسيرة التعافى حتى تفجَّرت الأزمة الروسية الأوكرانية قبل زهاء سنتين، وامتدَّت تأثيراتها السلبيّة إلى اليوم، ليُضاف إليها امتحانُ غزّة بكلِّ ما فيه من أعباء ظاهرةٍ ومُضمَرة.
ربّما يرى البعضُ أن العام المُنصرم ليس بدعةً فى أسئلته الجارحة، وهذا صحيحٌ نوعًا ما. يُمكن القول إن الروزنامة المصرية، بل وفى الإقليم والعالم، لم تخلُ قطّ من خللٍ فادح أو مُعضلةٍ تستعصى على الحلّ، وتُوزِّع خسائرَها على الآخرين كما تحمل الريحُ الغبارَ، ولو عُدتَ فى الذاكرة ستجد سنةً مُحمَّلةً برائحة البارود، وغيرها بالعَوَز وشَظَف العيش، وثالثةً بإشعالٍ على الحدود أو باستحقاقٍ داخلى أو بطبخةٍ دوليّة سيئة الرائحة؛ لكنها فى الغالب كانت تأتى فرادى، فتطرح كلُّ واحدةٍ نفسَها على البلد فى أوج عافيته، أو بينما ينزف منه جُرحٌ وتطيب بقيّة الجراح؛ إنّما فى السنة التى نُودِّعها جاءت الأهوال أفواجًا، وجاءت تباعًا، وسدَّدت طعناتها فى كلِّ اتجاه حتى تكسَّرت النصال على النصال، على قول المتنبى «شاعر العربية الأكبر». لهذا فإن 2023 لا يشبه سوابقه، وقد لا تُشبهه اللواحق، وهو عامُ التحدِّيات الحاشدة والساخنة بامتياز، وبقسوةٍ غير معهودة ولا مُبرَّرة.
افتتحت مصرُ عامَها بأثقالٍ مُضاعفة أُلقيت على عاتق الاقتصاد، وبموجةِ تضخُّمٍ اندلعت على شواطئ بعيدة؛ لتستقر فى بيوت المصريين. وبأثر مساعى الدول الكُبرى للإفلات من المحنة، وسلوكها مسار التشديد النقدى، نزحت كثيرٌ من الأموال الساخنة والاستثمارات المُحتملة إلى سندات الدولار واليورو، وتكسَّرت سلاسلُ الإمداد أو تضرَّرت، وقفزت أسعارُ النفط لتزيد وجيعةَ الموازنة فى ملفّ الدعم. وبينما تُكافح الدولة فى معركةٍ فُرِضَت عليها؛ اشتعلت أوضاعُ السودان باشتباكِ الجيش مع ميليشيا الدعم السريع، وتدفَّقَ مئاتُ آلاف اللاجئين؛ ليُضافوا إلى نحو تسعة ملايين ضيفٍ أخرجتهم الحرائق الظالمة من أوطانهم. وفى قلب المحنة كانت مهمَّة أخرى تمضى فى طريقها لتدشين ورشةٍ وطنية جامعة؛ تفعيلاً للدعوة الرئاسية بالعام السابق إلى حوار وطنى، بغرض التوصُّل إلى رؤىً توافقيّة لمُعالجة الاختناق السياسى، وتفعيل عمل الأحزاب، وبرمجة خطط وأفكار عمليّة لإدارة المرحلة بآمالها وتعقيداتها، ومن بعدها كانت الأزمةُ الإنسانية فى «درنة» الليبية، ثم استحقاق الانتخابات الرئاسية، وقد تزامنت معه الجريمة الإسرائيلية بعد «طوفان الأقصى» الذى كان صرخة المقاومة فى وجه الاحتلال.
أدارت مصرُ قائمةَ التحدّيات على الوجه الأمثل، بحسب الظروف والإمكانات، وتُغادر العام بحظٍّ جيد من الثبات والاستقرار، وبقدرٍ ضئيل من الخسائر والتهديدات. ربما لا يكون الوضع المالى فى أفضل حالاته؛ إنّما ما زالت السياسةُ النقدية فعَّالةً فى إدارة موجة التضخُّمِ بضغطٍ أقلّ على الموازنة، لا سيما أن المُبالغة فى سعر الفائدة تُرهق الموارد والاستخدامات معًا، وقد أعلن الرئيس عن حزمتين اجتماعيّتين للرواتب والبرامج الاجتماعية، وما زالت الدولة قادرةً على سداد التزاماتها، وعدَّل صندوقُ النقد نظرتَه الميكانيكية، بحسب ما يُفهَم من تصريحات مُديرته مُؤخّرًا، ليضع السيطرة على الأسعار قبل الحديث عن تعديل سعر الصرف، وكان السيسى قد قال صراحةً فى أحد المؤتمرات إن سياسة الدولة لن تذهب لإجراءات تزيدُ أعباء المواطنين. وإلى ذلك، حقَّقت قناة السويس إيراداتٍ قياسية، وقفزت صادرات الزراعة والصناعات الغذائية لأعلى، وتُحافظ السياحة على انتعاشتها السابقة رغم تأثيرات التوتُّر فى المنطقة. وقد لا تكون مُبالغةً إطلاقًا لو قلنا إن الخروج من 2023 على تلك الحال؛ أفضل ما يُمكن تحصيله بالنظر إلى ما كان يتهدَّدنا من جهاتٍ شتّى.
أمّا فى أزمة السودان؛ فقد تقبَّلت مصرُ الأشقاءَ النازحين قبولاً حسنًا، ونجحت فى إجلاء آلاف من الجالية المصرية وبعض القوات الذين كانوا فى مهمَّة تدريبٍ مع الجيش السودانى. وحافظت على علاقةٍ مُتوازنة مع كلِّ المكونات السياسية والعسكرية، كما رعت مُؤتمرًا لدول الجوار، أنتج رؤيةً أفريقيّة ناضجة للتهدئة، كان مُقدَّرًا لها أن تُثمر حلولاً عمليّة لولا دخلت بعضُ الأطراف على خطِّ الصراع بنوايا سوداء ومُمارسات مشبوهة. لكنها تجاوزت المخاطر الأمنية الناشئة عن الاحتراب، وأكَّدت موقفَها الثابت تجاه صيانة فكرة الدولة الوطنية وجيشها، ولم تُقصِّر مع الأشقّاء فوجَّهت أطنانًا من المساعدات وأرسلت خطوطًا كاملة لإنتاج الخبز. وفى ليبيا بادرت لمهام الإنقاذ فى كارثة الفيضان، وما زالت ترعى الحوار السياسى، وتنفتح على الشرق والغرب، وتتمسَّك برؤية التهدئة التى أرستها منذ رسم الرئيس السيسى «خطًا أحمر» بين سرت والجفرة قبل 30 شهرًا، واضعًا نقطةً فى آخر سطر الحسم بالقوَّة وانفلات الميليشيات.
وداخليًّا، التأمت فعاليات «الحوار الوطنى» قبل منتصف العام. وكان مجلس الأمناء المُشكَّل من كلِّ التيّارات قد استغرق شهورًا للوصول إلى لُغةٍ مُشتركة، وتجاوزِ آثار مرحلة الصمت والانطفاء، التى تلت إطاحة الإخوان وافتراق الطرق بين بعض تيّارات السياسة. وعقد على مدار ستّةِ أسابيع نحو 90 جلسةً عامّةً ومُغلقة، شارك فيها 60 حزبًا وأكثر من 1600 مُتحدِّث، وأثمرت 1500 مُقترَح رُفِعَت للقيادة لإنفاذها فى إطار صلاحيات الرئيس أو عبر خطّةٍ تشريعية، وبعضها استُجِيب له سريعًا مثل تمديد الإشراف القضائى على الانتخابات، ثمّ توقفت الورشة الحوارية بسبب الاستحقاق الرئاسى، وثمّة تحضيرات لجولة ثانية. وأمَّا سباقُ الرئاسة فقد أُنجِزَ بصورةٍ جيّدة، وكان تحدِّيًا مُهمًّا بالنظر لسياقات الداخل والخارج، ومحاولات تمرير مُرشَّح حليف للإخوان، ودعوات البعض للانفضاض عنه بغرض ابتزاز الدولة أو الطعن فى التجربة. وقد شاركت ثلاثةُ أحزابٍ بمُرشَّحين، وعشرات غيرها نشطت لدعم المتنافسين؛ لينتهى بأعلى نسبة مُشاركة شعبية فى تاريخ الاستحقاقات الدستورية، وبمشهدٍ غير مسبوق عندما استقبل الرئيس مُنافسيه بعد إعلان النتيجة، مُقدِّمين بالخطاب والمُمارسة بُرهانًا عمليًّا على الصورة الصحيّة للعمل السياسى، وما يُمكن أن يُحقِّقه التكامل فى جهود الإصلاح على قاعدةٍ دستورية.
وكانت «غزّة» آخرَ تحدِّيات العام وأخطرها، وما تزال قائمةً بكل مآسيها وأعبائها. ومنذ اللحظة الأولى لعبت مصر دورًا جادًّا فى بناء موقف سياسى، إقليمى ودولى، يُعرِّى السرديَّة الإسرائيلية ويطرح الصورة على حقيقتها للعالم. وقد استضافت «قمَّة القاهرة للسلام» بمشاركةٍ واسعة، ونجحت فى إنفاذ المساعدات الإنسانية بعد مُماطلةٍ وتشدُّدٍ من الاحتلال، وقدَّمت الشطرَ الأكبر من قوافل الإغاثة، ثم كان خطابها فى القمَّة العربية الإسلامية بالرياض الأنضجَ والأكثر موضوعيَّةً؛ فخرج البيانُ مُطابقًا تقريبًا لرؤيتها. أمَّا أهمُّ نجاحاتها فكانت فى تصدِّيها المُنفرد أوّلاً لدعاوى تهجير سكان القطاع، ثم انضمَّ إليها الأردن، ومن بعدها تتابعت المواقف. ودون تزيُّدٍ يُمكن القول إن الخطاب المصرى الحاسم كان له الفضل الأكبر فى إحراق ورقة ترحيل الغزِّيين، ثم فى إعادة «حلِّ الدولتين» للطاولة وفَرضه على الجميع، حتى أنه عاد إلى خطاب البيت الأبيض بعدما تجاهله طويلاً، وانزلق بوقاحة فى دعم يمين «نتنياهو» المُتطرِّف بأجندته الرامية لتصفية القضية. كان السيسى حاسمًا فى رسائله بأنه لا سبيل للحلِّ على حساب مصر، ولا بإنهاء مسألة فلسطين بتجريدها من شعبها، ومع الجدّية حافظت مصرُ على مُقاربةٍ رصينة؛ سمحت بأن تكون وسيطًا فى الهدنة، لكنها وَساطةٌ تحت سَقف الانحياز العُروبى والأخلاقى للضحايا، وبأجندةٍ تسعى لإنهاء الحرب الظالمة، لكنها تتحضَّرُ لكلِّ الخيارات دون تهاونٍ فى حقوق الأشقاء، أو تفريطٍ فى المصالح الوطنية.
يُوشك 2023 أن يُغلِقَ دفاتره وينصرف، وما فرضه على مصر من تحدِّياتٍ كان كثيرًا وقاسيًا، وربما لا تتحمَّله دولٌ أُخرى فى ظروفٍ أفضل. ولعلَّ 2024 لا يكون عامًا ورديًّا؛ فالحرب قائمةٌ، واقتصادُ العالم يبدو بعيدًا من العافية، وأعباءُ الداخل ليست هيِّنةً ولا ميسورةَ الحلّ. إننا نستفتح سنةً جديدة بإرهاقٍ يُصاحبنا من سابقتها؛ إنَّما بأملٍ كبير فى أن تنقشع الغيوم التى تحوطنا من كلِّ جانب، أو بعضها على الأقل. وإن كانت الظروفُ الطارئة تفرضُ أحيانًا ما لا سبيلَ للفكاك منه؛ فإنّ الوعى بالتحدِّيات أوَّلُ الطريق لتجاوزها، واليقظةَ مفتاحُ المُبادرة، وما خانتنا العزيمةُ فيما مضى لتخون فيما هو آتٍ.. والبلد الذى استعصى على الارتباك الناشئ عن ثورتين فى ثلاثين شهرًا، وعلى ستِّ سنواتٍ أو يزيد من الإرهاب، ومخالب وأنيابٍ ترصَّدته من الجهات الأربع، وما خضع أو انحنى وقتما كان الابتزازُ عنوانًا سياسيًّا مرفوعا فى وجهه من عواصم كبرى، لن يُعجِزَه عامٌ جديد يحتضن رُزمةَ امتحانات، وقد عبرَ عامًا لم يترك أزمةً ولا خطرًا ومحنةً إلا اصطحبها فى شهوره الثقيلة وأيّامه الخانقة، وها قد صار قديمًا، وانتقل بكلِّ ما فيه من مواجع لدفتر الماضى وغرفةٍ هامشية فى رُكن الذاكرة. وداعًا 2023، غير مأسوفٍ عليك، وأهلاً بما بعدك وما بعده، وسنظلّ على قارعة الوقت نقول مع المتنبى: «تمرَّستُ بالآفاتِ حتى تركتُها/ تقولُ أَمَاتَ الموتُ أم ذُعِرَ الذُّعرُ». وقد تعوَّدت هذه الأرضُ أن تدفنَ السنوات ولا تبكى عليها، وتكفيك نظرةٌ عابرةٌ على الهرم، أكبر مقبرةٍ جماعيّة للأعوام، الحلوِّ منها والمُرّ.. تمضى جميعًا؛ ببُطءٍ أو على استعجال، ودائمًا دائمًا تبقى مصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة