في جانب بعيد بجنوب القارة الآسيوية، تقف "مئذنة قطب مينار" بشموخها وعظمتها لتخبر العالم أن الحضارة الإسلامية مرت يومًا من هنا، من مدينة دلهى الهندية، صاحبة التاريخ العتيق والحضارات المختلفة والثقافات المتنوعة.
قطب مينار
آية من آيات الفن المعماري وتحفة من تحف العمارة الإسلامية في الهند، وكيف لا وهى أطول مئذنة بنيت من الحجر في العالم، وصممت على غرار مئذنة جام في أفغانستان، لن يمر أحد عليها قبل أن يقرأ بين جدرانها حكاية انتصار الاسلام فى الهند قبل أكثر من 800 عام.
استقبالها لملايين السياح كل عام، وتصنيفها كموقع تراث عالمى فى اليونسكو جعلها شعار للمعالم السياحية الهندية، وشعار مترو لمدينة دلهي ، رغم كل ما مرت به من أزمات وتقلبات سياسية وكوارث طبيعية جعل المسئولون يغلقون أبوابها ويمنعون الدخول إليها، إلا أن مظهرها الخارجي يكفيك أن تغزل من الأشعار دواوينًا.
حين تخطو أولى خطواتك عبر بوابة مئذنة "قطب مينار" في نيودلهي، تدرك أنك عبرت بالزمن إلى موقع أول شاهد على دخول الحضارة الإسلامية بالهند، لن تسمع مع أنفاسك سوى تغريد العصافير والطيور التي تآلف المكان، ويداعب قدميك حيوان السنجاب الذى يلهو بلا خوف، متسلقًا الأشجار التي تشكل مع أطلال مسجد قوة الإسلام وأقواس النصر، صورة فنية من إبداع ملوك المغول.
وأثناء تجولك في حضرة الموقع الأثرى ، ستفقد قدرتك على النظر إلى أسفل، فهى المنارة الأطول من نوعها في الهند وثاني أطول المنارات في تاريخ العالم الإسلامي بعد منارة الجيرالدا في إشبيلية، حيث تتكون المئذنة من خمسة طوابق.
وذكرت موسوعة المساجد الإسلامية أن المئذنة كانت في البداية جزء من مسجد "قوة الإسلام" ، والذى قرر السلطان قطب الدين أيبك أول سلاطين المماليك في الهند، إنشاءه سنة 1193، على حطام 27 معبد هندوسى بعد هزيمة الحكام الهندوس في المدينة في عام 1192، ليكون رمز للنصر الإسلامي، لكن الموت لم يمهله ليشاهد ما أسسه، فاستكمل خليفته شمس الدين ألتمش الطابقين الثاني والثالث، وفي عهد حكم آل تغلق زاد السلطان "فيروز تغلق شاه" الطابقين الرابع والخامس.
وبني المسجد بعدد كبير من الأحجار الرملية الحمراء التي اقتلعت من المعابد الهندوسية، بينما أُكمل المستويان الأخيران بالرخام الأبيض، وجدران المبنى مزخرفة بالنقوش والآيات القرآنية.
ويبلغ ارتفاع المئذنة 72.5 مترا ، ويوجد بداخلها درج حلزوني يعد 379 درجة، يمكن عن طريقه الوصول إلى القمة، لكن تم غلقه في وجه الجمهور بعد ارتفاع حالات الانتحار التي اعتبرته مكانًا مقدسًا يليق بنهاية حياتهم الدرامية.
ويضم المجمع بحوار المسجد مبان أخرى ويستقطب إليه جموعًا كبيرة من السياح كل عام، ولهذا أدرجته منظمة اليونيسكو، في قائمة التراث العالمي.
وتعرض المبنى للكثير من الأزمات السياسية والكوارث الطبيعية، وقف صامدًا أمامها، فقد نجا البرج من ضربات صاعقة البرق مرتين، وفي المرة الأولى تم تدمير الطابق الرابع واستبدل السلطان الحجر الرملي الأصلي بالرخام والحجر الرملي وقام ببناء طابقين إضافيين وأضاف قبة في الأعلى. وقد أضافت تلك القبة 12 قدما إلى الارتفاع، لكن زلزالا أطاح بها.
وبعد حوالي 300 عام، في عام 1803م، تعرض البرج لأضرارٍ جسيمة في زلزالٍ ضرب المنطقة، وقام الرائد روبرت سميث، وهو عضو في الجيش الهندي البريطاني، بإصلاح الهيكل في عام 1828م، وواصل العمل وقام بتركيب قبة ذات أعمدة فوق الطابق الخامس، وبالتالي أقرض البرج دوره السادس، ولكن تمت إزالة هذه القصة الإضافية في عام 1848م بأمرٍ من هنري هاردينج، الحاكم العام للهند آنذاك، وأعيد تثبيتها بجوار المئذنة.
كما تم إغلاق برج قطب منار، أمام الزوار في عام 1981 بعد تدافع قتل 47 من تلاميذ المدارس، على الدرج الضيق.
وعن تسمية المئذنة، فيعتقد بعض المؤرخين أنه وعكس ما يقال أن تسميته تعود إلى السلطان قطب الدين أيبك، فإن السبب الحقيقي في تسميته بقطب منار يعود إلى خواجه قطب الدين، أحد المتصوفين والذي قدم من بغداد ثم عاش في الهند، وحظي أثناءها بمكانة كبرى لدى السلطان إلتمش.
وفى حلقة جديدة من برنامج حكايات سفر، تسافر الزميلة هناء أبو العز، إلى مدينة نيوديلهى الهندية، وتتجول داخل ساحة قطب مينار، وتحكى تاريخ المكان.
والبرنامج من إعداد وتقديم هناء أبو العز، مونتاج هبة أشرف، وإشراف عام علا الشافعى.