جمال عبد الناصر

يا شيخ سلامة.. السلطنة والفن الراقي في مواجهة المهرجانات

الأربعاء، 22 فبراير 2023 02:17 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

العرض المسرحي "يا شيخ سلامة "هو النموذج الأمثل للفرجة المسرحية المتكاملة بداية من النص الذي صاغه الكاتب والشاعر والناقد يسري حسان، واستطاع من خلاله أن يعقد مقارنة فنية بين زمن كانت الكلمة فيه هي الأساس الذي يقوم عليه العمل الفني وهو زمن العظيم الشيخ سلامة حجازي، وزمن آخر يندر فيه الفن الجيد ويكثر فيه العشوائية والغوغائية، ويتحول فيه الغناء لمهرجانات حيث لا كلمة ولا معني ولكن هز الوسط وتحريك الجسد والرقص المقزز هو الغالب عليه وهو زمن "كماشة" مطرب المهرجانات.

الفكرة التي التقطها يسري حسان فكرة نيرة جدا تدفع المشاهد منذ بداية العرض لمتابعته بشغف وهذا ذكاء الكاتب الذي يجذب جمهوره إليه منذ بداية العمل ، فنحن أمام " غنوة " وهي الباحثة الموسيقية التي تجسدها " نهلة خليل " ببراعة أدائا وغنائا، حيث تتوجه تلك الباحثة للمنزل الذي كان يسكنه الشيخ سلامة حجازي فتقابل القبح أمام منزله وهم مجموعة من مطربي المهرجانات يغنون بإسفاف ورخص من أجل تصوير فيديو كليب كله عري.

"غنوة" تلك الباحثة في التراث الموسيقي تبحرنا وترجعنا لزمن سلامة حجازي لنري الفن الأصيل والانتصار للكلمة واللحن، ورد لاعتبار المؤلف، ونستمتع بتفاصيل هذا الزمن ونجومه عبده الحامولي ومنيرة المهدية وغيرهم ، وأفضل ما في هذا العمل أنه استدعي الماضي ليطرح ويناقش قضية نعيشها، والتحية هنا واجبة للمؤلف لأنه لم يدين الزمن الحالي ولم ينحاز للماضي بل أكد علي أن في كل عصر الفن الجيد والفن الردئ ، الفن البناء الذي يوعي ويثقف ويهذب الروح والنفس والفن الآخر الذي يخرب ويهدف، فالعرض يؤكد علي أن كل عصر له ماله وعليه ما عليه، وظهر ذلك جليا في مشهد المطربة منيرة المهدية سلطانة الطرب، وهي تغني أغاني اعتبرها البعض أغاني ضعيفة مثل اغنيتها الشهيرة: "وأنا لسه نونو في الحب بونو.. دا الحب دح دح.. والهجر كخ كخ".

مسرحية "يا شيخ سلامة " سهرة مسرحية متكاملة لن تشعر فيها بلحظة ملل، ويعود الفضل في ذلك لمخرج العمل محمد الدسوقي الذي استطاع أن يحدث إيقاعا متناغما وسريعا لأحداث المسرحية وأن يحرك الممثلين في مساحة ضيقة جدا لكن المشاهد  لا يشعر بهذا الضيق بل يشاهد شارع واسع يتحرك فيه الممثلون بسلاسة، ويشاهد أيضا علي الجانب الآخر من القاعة منزل الشيخ سلامة ( داخلي / خارجي ) ومقهي يجتمع فيها الفنانين وحي كامل يحمل زمن جميل، ونجح المخرج أيضا في اختيار ممثليه بعناية .

أغلب الممثلين في العرض أدوارهم مناسبة وتميز منهم الفنانة نهلة خليل التي تمتلك حضور علي المسرح وصوتا عذبا يطرب السميعة،والفنان والمطرب علي الهلباوي اكتشاف جديد بالنسبة لي كممثل فهو أنسب وافضل اختيار لتجسيد شخصية الشيخ سلامة حجازي، وبجانب براعته كممثل في التشخيص تعايش داخليا مع الشخصية ويحمل كل مقومات الصدق الفني في أدائه ، ونضيف لذلك حالة السلطنة التي يدخلها علي المشاهدين في كل أغنية أو موال يغنيه، أما الفنان مراد فكري في شخصية " كماشة " فهو الأنسب شكلا وموضوعا في تجسيد دور مطرب المهرجانات ولكني أنصحه بتخفيف حركته داخل القاعة وأن يبتعد عن بعض الإفيهات الغير مناسبة والتي ربما تستجدي الضحك لدي المشاهدين ،وبخلاف ذلك هو ممثل جيد ولكن علي المخرج أن يلزمه بالانضباط والالتزام بالنص وعدم المبالغة .  

تقدم الفنانة سلمى عادل دور "بغاشة " خطيبة كماشة وهي وجه جديد بالنسبة لي لم أشاهدها من قبل في أي عمل مسرحي لكنها تحمل الكثير من الحضور والكاريزما وصوتها أيضا من الأصوات الجميلة التي تسلطن المشاهدين ، أما الفنان حسني عكري الذي يقدم دور "خشبة " المخرج والنجار، فلدي تحفظ علي شخصيته فهو في بداية العرض يظهر بصورة المخرج الهلاس أو المعادل لشخصية "السبكي" الذي يبحث عن المشاهدات والربح باي شكل يقدمه من خلال الفيديو كليب الذي يخرجه وينتجه ثم يتحول فجأة وبدون مبررات لصورة أخري وهي الفنان الملتزم الجاد الباحث عن القيمة والمضمون ، فما المبرر الدرامي لتحوله لم اشعر به في العرض .

ويقدم أحمد شومان دور الشاعر فتلة وهو ممثل يتمتع بخفة ظل ورشاقة في الأداء، وبرغم ظهوره القليل في العرض إلا أنك لا تستطيع أن تنسي دوره وهو الفنان محمد عمر ، ومعه نجوم العرض يوسف عبيد ومحمد عيسى وأحمد مصطفي وزهرة إبراهيم وسحر عبد الله وصابر عبد الله الذي يقدم شخصية "عبده الحامولي " وريهام درويش ومحمد ابوعيسي ومحمد بيومي وإبراهيم غنام ورشا نور وشيماء الهلالي وحسام ياسين وحبيبة رشاد ومحمد السبكي ، فكل هؤلاء كانوا متميزين في أدوارهم المساعدة حتي ولو كانت مشهدا واحدا.

التميز كان حليف كل عناصر العرض فالديكور لحمدى عطية استطاع أن ينقلنا به إلى زمن الشيخ سلامة ومنيرة المهدية واستخدم المساحة المتاحة له، ووظفها بقدر الإمكان حتي نعيش تفاصيل ذلك العصر بكل مفرداته، وساعده في ذلك الإضاءة التي صممها أبو بكر الشريف، أما الألحان لعلي الهلباوي فهي جزء مهم من العرض وأحد عناصر التميز وقدمها الهلباوي بإيقاع كل عصر من العصور التي تناولها العرض ، التحية لكل صناع هذا العرض المتميز الذي حقق متعة سمعية وبصرية والشكر للفنان وليد طه والدكتور عادل عبده رئيس قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية.

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة