بيشوى رمزى

ذكرى يوم "التأسيس".. مصر والسعودية وتقويض محاولات "طمس" الإرث

الأربعاء، 22 فبراير 2023 04:19 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ربما تبقى ذكرى "التأسيس" والذى تحتفل به المملكة العربية السعودية، والتي دشنها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، بمثابة انعكاس صريح لاعتزاز المملكة بجذورها التاريخية، والتي تعود إلى عدة قرون مضت، في الوقت الذى تتجه فيه بقوة نحو الحداثة، فيصبح الماضي بمثابة وقود، من شأنه تحقيق طفرة كبيرة في المستقبل، وهو ما يمثل جوهر العمل في المنطقة العربية، في المرحلة الراهنة، في ظل محاولات "طمس" التاريخ والهوية، والتي تهدف في الأساس إلى إضعاف القوى الرئيسية، لصالح دول أخرى، وهو ما يبدو في العديد من النماذج الأخرى، وفي القلب منها مصر، والتي تمسكت بإرثها التاريخي والحضاري، في الوقت الذى أرست فيه أسس "جمهوريتها الجديدة".
 
ولعل استهداف التاريخ يبدو واضحا في العديد من المشاهد، التي سجلها الماضي القريب، ربما أبرزها ما شهدته سوريا والعراق واليمن، عندما سعت جماعات الظلام، إلى تدمير الأثار التاريخية، في دولهم، والتي تبقى شاهدا على عظمة الماضي، وهو السلوك، الذي وإن لاقى إدانات كلامية، لم يجد في المقابل أي "رد فعل" قوى، من قبل القوى الدولية الكبرى، التي طالما زعمت حمايتها لـ"الإرث الإنساني"، وهو ما يعكس أن التاريخ كان جزءً لا يتجزأ من النطاق المستهدف، من قبل دول العالم، والذي شمل العديد من الأبعاد الأخرى، ربما أبرزها تحقيق الانقسام على مسارين أولهما داخل الدول بشكل فردى، والثاني على المستوى الجمعي، في إطار قومي أكثر شمولا.
 
تلك الحالة التي سعت إلى تأجيجها القوى الدولية، ربما استلهمتها القوى الإقليمية، في المنطقة العربية، وعلى رأسها مصر والمملكة العربية السعودية، في إطار تكاملي، شهد العديد المسارات، حيث كان إحياء الإرث التاريخي، أحد جوانبها، وهو ما يبدو في احتفاء المملكة بذكرى تأسيس دولتها الأولى، في الوقت الذى حرصت فيه مصر على خلق مزيج بين عراقة تاريخها المجيد، مع إنجازات الحاضر، أملا في مستقبل مشرق، وهو ما بدا في العديد من المشاهد السابقة، على غرار افتتاح المتاحف الجديدة، والمبهرة، الاحتفالات المبهرة، على الطراز الفرعوني، ومنها موكب المومياوات الملكية، وافتتاح طريق الكباش بالأقصر، وهو ما يعكس حالة من انسجام الرؤى، بين البلدين، ليس فقط على مستوى السياسات الجمعية، التي من شأنها تحقيق مصلحة الأمة العربية بأسرها، وإنما أيضا على المستوى الفردي، عبر التوافق الملموس، في الكيفية التي يمكن بها إدارة العملية التنموية.
 
ويعد التركيز على الحالة التنموية، في جوهره، وارتباطه بالدور الإقليمي، ليس جديدا تماما، على اعتبار أن الجانب الاقتصادي يبدو مؤثرا بصورة كبيرة على النفوذ الإقليمي والدولي للدول، إلا أنه يحمل بعدا مستحدثا، يتمثل في تقديم تجربة ناجحة، يمكن تعميمها على النطاق الإقليمي، وهو ما يبدو في العديد من المشروعات العملاقة التي تبنتها البلدين، في السنوات الأخيرة، لتحقيق طفرة اقتصادية في الداخل، بينما في الوقت نفسه تبقى من شأنها خلق حالة إقليمية عامة، يمكننا تسميتها بـ"الزخم التنموي"، والذي يمكنه انتشال المنطقة نحو أفاق أرحب من التنمية الشاملة، ناهيك عن تحقيق أكبر قدر من التكامل بين دول المنطقة، لتتوارى بينها الخلافات البينية، إن وجدت.
 
في الواقع أن ذكرى "يوم التأسيس"، وإن كانت مناسبة وطنية سعودية، إلا أنها تحمل في طياتها أهمية كبيرة، باعتبارها جزء من استراتيجية إقليمية تقودها الدول الرائدة في المنطقة، تعتمد إحياء الجذور التاريخية، والتي تمثل منطلقا مهما للمستقبل، وهو ما يبرز الهدف من وراء محاولات دولية مستميتة لتقويض الإرث، في ظل إدراك دولي عميق بأن تاريخ دول المنطقة، والقوى الرئيسية بها أحد أهم عناصر القوة التي تمتلكها، في مواجهة كافة المخططات الرامية إلى التقسيم والفوضى.
 
وهنا يمكننا القول بأن الجانب "العروبى" القومي، بات يجد منطلقا وطنيا بحتا، بحيث تكون الحالة الوطنية، القائمة على النمو والتنمية بمثابة حافزا للبعد العربي في صورته الجمعية، وهو ما يمثل اختلافا جوهريا عن الفكر القومي، الذى ساد في عقود سابقة، عبر إضفاء الزخم، وتقديم الأولوية، وهو الأمر الذي كانت تبرره الظروف الدولية والإقليمية آنذاك، في ظل هيمنة الاستعمار، وتوحد الدول العربية على محاربته لتحرير أراضيها، بينما أصبح البعد الوطني، بعد ذلك أولوية، خاصة خلال العقد الماضي، مع تنامي التهديدات الأمنية التي استهدفت وحدة الدول وسلامة أراضيها، في حين تحول الأمر الآن إلى العمل على مسارات متوازية بين القوى العربية الرئيسية، عبر سياسات منسجمة في الداخل والخارج، من شأنها إثراء البعد الوطني، والعمل التنموى من جانب، مع تعزيز القومية من خلال تحقيق التكامل، في العديد من المجالات.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة