المهندس شريف إسماعيل، مساعد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء السابق، نموذج خاص لرجال تولوا المسؤولية فى أوقات صعبة، ونجح فى تحقيق أهداف صعبة وألزم نفسه وحكومته ببرنامج صعب، وهو نفسه وصفه بأنه مؤلم، تضمن أهم قرارات الإصلاح الاقتصادى، فى مرحلة كانت مصر خارجة من سنوات صعبة.
فى سبتمبر 2015 تولى المهندس شريف إسماعيل مسؤولية رئاسة الوزراء، ورحل أمس الأول السبت بعد معاناة مع المرض الذى لم يمنعه عن ممارسة عمله بإخلاص ودأب، وصفه الرئيس عبدالفتاح السيسى بأنه «رجل عظيم بحق، تحمل المسؤولية فى أصعب الظروف وأحلك الأوقات، وكان على قدر المسؤولية الصعبة، عمل بكل تجرد وإخلاص وأمانة ورغبة فى العطاء، مترفعا عن كل المكاسب، لا يبتغى أى شىء إلا مصلحة وطنه وشعبه»، وهو تقدير من الدولة لرجل تولى فى فترة صعبة، وعمل بإخلاص لتحقيق أهداف كبيرة، وحرص الرئيس السيسى على تقدم الجنازة العسكرية للراحل.
حين تولى المهندس شريف إسماعيل رئاسة الوزراء كانت مصر لا تزال تواجه إرهابا متوحشا، والاقتصاد يواجه تراجعا كبيرا، وتأثيرات سنوات الارتباك، وعجز اقتصادى كبير وازدواج فى سوق العملة ودعم لا يصل إلى مستحقيه، واستثمار هارب، والموازنة تعانى، والعجز يصل لدرجات كبيرة، كان المهندس شريف إسماعيل وزيرا للبترول والطاقة بحكومة الدكتور حازم الببلاوى ثم حكومة المهندس إبراهيم محلب، ثم تولى رئاسة الوزراء فى وقت صعب وبشجاعة.
منذ اللحظة التى تولى فيها المسؤولية، أعلن المهندس شريف إسماعيل سياسته وقراراته، ومنذ أول لحظة كان واضحا، وتحامل كثيرا على نفسه وصحته ليستكمل مهمة كان من الصعب على غيره التصدى لها، وأعلن أن هناك قرارات صعبة وحسب وصفه «مؤلمة»، ولم يقدم الرجل برنامجا ملونا يزدحم بالأرقام والوعود، وكان واضحا ولم يسع لتجميل الواقع أو يقدم وعودا يستحيل تنفيذها، يضاف إلى ذلك حالة الشلل التى أصابت الاقتصاد فى مرحلة انتقالية، وهروب للأموال، واستمرار للثغرات واتساع للثقوب التى يتسرب منها الدعم والفساد والتحايل وانفجار سكانى، والتفاصيل معروفة.
قبلها أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى، مواجهة التحديات والتوجه للمستقبل، من خلال علاج سريع لأزمات الطاقة وفيروس سى ومشكلات الصحة، والعشوائيات، مع البدء فى علاج جذرى للمشكلات المزمنة فى النقل والطرق والإسكان والتعليم والصحة، وهى معادلة صعبة جعلت كثير من الخبراء والأكاديميين يرفضون تولى المناصب الوزارية، وهى تجربة تكررت فى الحكومات التى تلت 11 فبراير 2011، ونعرف عددا من هؤلاء يحملون شهادات تؤهلهم، كانوا يكتفون بالكلام، ويتراجعون عن تولى المناصب، خوفا من المسؤولية لعلمهم أن «اللى على البر عوام»، يقولون فى العلن عكس ما يرددون فى الظل بعيدا عن الصورة، والحديث نظريا يدور عن الفرق بين الوزارة السياسية والوزارة المتخصصة «التكنوقراط»، وهو جدل لم ينته.
وفى ظل هذا الوضع قَبِلَ المهندس شريف إسماعيل، المسؤولية، وسط شكوك طبيعية، فى رجل تكنوقراطى حقق نتائج فى وزارة البترول، وكان الوضع الاقتصادى بحاجة إلى جراحات وجرعات علاج، وإجراءات اقتصادية مؤلمة، تحامل على نفسه، وتحمل علاجا صعبا، وتظهر عليه تأثيرات المرض، ومع هذا يعمل لساعات طويلة ويدير فريقا ويتواصل مع الإعلام والرأى العام بقدر المستطاع، وكان حريصا على عقد لقاءات دورية مع الإعلام للمناقشة والشرح لما يجرى ويستمع إلى الآراء بإنصات وتواصل وسعة صدر.
أخطر القرارات التى اتخذها المهندس شريف إسماعيل كانت إزالة ارتباط الجنيه بالدولار وإعادة توزيع الدعم فى الوقود والتموين وسياسات الإصلاح الضرورية، مع الأخذ فى الاعتبار أن ثمار الإصلاح تستغرق وقتا، خاصة وقد جاء مع السعى لإنجاز مشروعات فى اتجاهات مختلفة، ومواجهة أمراض ومشكلات مزمنة، منها فيروس الكبد الوبائى، والعشوائيات، وتنشيط الاقتصاد وتشغيل المعطل، كل هذا فى وقت واحد، وأمام جمهور يحاسب يوما بيوم، وما كان للإصلاح أن ينجح دون تحمل الشعب لقرارات مؤلمة وصعبة.
وقد تعامل المهندس شريف إسماعيل بشفافية، ونجح فى إدارة فريق الحكومة فى عمل جماعى، وكان حريصا على أن يوضح ما يجرى ويعرض القرارات ويوضحها للإعلام والجمهور، والتقينا به مرات كان فيها يحرص على التوضيح والشرح، دون تلوين، وربما كان قليل الكلام بشكل عام، لكنه يتحرك ويمتلك درجة كبيرة من الشجاعة فى اتخاذ القرارات والدفاع عنها، ومن الطبيعى أن القرارات الاقتصادية التى اتخذت خلال فترة قصيرة تمثل قفزة فى وقت صعب، مع حرص على علاج أعراض جانبية لدواء تأخر كثيرا.
رحم الله المهندس شريف إسماعيل، الرجل الذى عمل وتحمل الكثير من الانتقادات، وكان يمكنه أن يبقى بعيدا يتحدث من دون أن يتورط فى مسؤولية صعبة، لكنه اختار تحمل المسؤولية بشجاعة، وعمل بإخلاص، بالرغم من المرض وتحمل الألم، فى فترة صعبة كانت مصر تعمل على أكثر من اتجاه لمعالجة التداعيات السابقة، والتحرك نحو المستقبل.
اليوم السابع
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة