يوما بعد يوم، يسطر محمد صلاح أرقاما قياسية، يصعب مهمة من يأتى بعده لتحطيمها، ماكينة من الإنجازات تمشى على الأرض، آخرها كان أمس، عندما أصبح بجدارة الهداف التاريخى لنادى ليفربول فى الدورى الإنجليزى، متفوقا على روبى فاولر، الذى أحرز 128 هدفا فى 10 مواسم، فى حين وصل صلاح إلى 129 فى 6 مواسم فقط.
نجاح صلاح فى تجربته الاحترافية، لم يكن وليد الصدفة، فالموهبة فقط لم تكن لتصل به إلى ما وصل إليه من إنجازات ونجاحات فاقت كل التوقعات، بل كان ذلك نتاج عمل احترافى كبير من جانب اللاعب، فصلاح بمثابة مؤسسة إنتاجية كاملة تمشى على الأرض، كل خطوة يقوم بها فى حياته الشخصية والعملية، تخضع لبرنامج محكم ومثالى، وكل فعل يقدم عليه مدروس تماما، وأى تصريح يدلى به، ليس جزافا، بل يعلم تماما ويعى ويدرك كل حرف من كلامه، وكل تلك المنظومة تهدف إلى غاية واحدة، ليس النجاح فقط، بل تحقيق أرقام قياسية يسجلها التاريخ، وتدخل باللاعب سجل العظماء.
كان يمكن لصلاح تكرار تجربة أى لاعب مصرى آخر، يحقق بعضا من النجاح فى مسيرته الاحترافية، ويشار له بالبنان كلاعب مصرى محترف فى أحد الدوريات الخمس الكبرى فى العالم، ويجمع الكثير من المال، وينهى مشواره، وفقط، ولكن "أبو مكة" رفض هذا السيناريو، الذى – بالمناسبة- قد يكون حلما كبيرا لأى لاعب مصرى آخر، فهو منذ أن وطأت قدماه أوروبا، ولامست رجليه نجيل ملاعبها، لم يترك موهبته لتكون هى القائد له، بل جعل عقله هو القائد لموهبته، والمحرك لكل خطواته، فاستعان بمتخصصين فى كل شئون حياته الكروية، من التغذية، وتمرينات اللياقة، والأحمال، والتدريبات، ومواعيد النوم، والإجازات، حتى الإتيكيت والتعامل مع الجماهير والمعجبين، كل شىء وأى شىء فى حياته يخضع لمعايير صارمة، وخطوات مدروسة ومنضبطة.
محمد صلاح، لمن لا يعرف - وحسب ما يرد من تقارير ترصد حياته - يحرم نفسه من متع كثيرة جدا، وملذات – شرعية وقانونية- لا تعد ولا تحصى، من أجل أن يكون تركيزه فقط على الكرة، وعلى بناء نفسه جيدا، ذهنيا ونفسيا وجسديا، يعيش حياته للكرة ومن أجل الكرة، وهو ما جعله يقدم هذا العطاء الكروى المبهر والمتواصل، فكثير راهنوا أن أسطورته وقتية، وأن اللاعب سيلمع لموسم أو اثنين على الأكثر، وسيخفت بريقه ويدخل غياهب النسيان، ولكنه ضرب كل تلك التوقعات عرض الحائط، واستمر فى النجاح والتفوق وتحطيم الأرقام القياسية، وواصل مسيرته فى إبهار الجميع، وما زال، فاللاعب لديه شغف لتحقيق المزيد والمزيد من التميز والتفوق والتفرد.
صلاح قاد موهبته بعقله، فتحقق له ما أراد، ودخل التاريخ من أوسع أبوابه.