فى ظل احتدام الصراع على الهيمنة والسيطرة على العالم، وفى ظل الحديث عن تشكيل مجلس إدارة جديد للعالم قائم على تعدد الأقطاب، ويقود هذا بقوة روسيا والصين، لكن الأنظار تتجه إلى الصين باعتبارها القوة الاقتصادية العالمية الثانية، وما يحدث من استنزاف روسيا اقتصاديا وعسكريا ومواجهة نفوذها السياسى والعسكرى من خلال الحرب الأوكرانية، ليكون السؤال الذى يشغل الكثير.. هل الصين بالفعل لديها مؤهلات حقيقية تمكنها من أن تكون البديل، أو القدرة على تشكيل نظام جديد متعدد الأقطاب.
بداية.. الناظر إلى قدرات الصين خلال السنوات القليلة الماضية يجد أن لديها مؤهلات لا أحد ينكرها، منها أنها أصبحت مصنعا كونيا للإلكترونيات، وفى طريقها وبقوة لتكون المصدّر رقم 2 للسيارات بعد اليابان، خلاف ما أحدثته من تطورات رقمية سريعة مكنتها من تسجيل ما يقرب من نصف براءات الاختراع في مجال تكنولوجيا والاتصال، خلاف أنه بعد ما تم منعها من الانضمام إلى المحطة الفضائية الدوليةـ أصبحت لها محطة خاصة – القصر السماوى - احتلت الآن من خلالها القوة الفضائية الثالثة بعد أمريكا وروسيا.
وأصبح لديها آلة إعلامية لا يستهان بها تحرص على تقديم نموذج أكثر إنسانية، وامتلاكها لدبلوماسية نشطة ورشيقة استطاعت أن تخلق لها مكانا مهما على مسرح الأحداث العالمية والتأثير في ملفات النزاع، معتمدة على التوسع في إطلاق مبادرات تقارب، ونموذجا ما حدث في الملف الإيراني السعودى وإعلانها الوساطة في الأزمة الأوكرانية، مرتكزة على مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية مما جعلها مرحبا بوساطتها خلاف سياسة الولايات المتحدة الأمريكية.
وتوسعها الملحوظ في المبادرات التنوية، وعلى رأس مبادرة "الحزام والطريق" وفى اعتقادنا الصين تستهدف بناء بنية تحيتة عالمية تمتد لتشمل دولاً في آسيا والمحيط الهادئ وأفريقيا وأوروبا باستثمارات تصل إلى مئات مليارات الدولارات، لكنها في الوقت نفسه تؤمن مصالحها لتحقق السيطرة من خلال سياسة النفوذ الاقتصادى.
وإذا تحدثنا عن القيادة والسيطرة، فلا يجوز أن نغفل الشق العسكرى، فتعداد الجيش الصينى وصل لـ 1.6 مليون جندي، وأقدمت على إنشاء أول قاعدة عسرية خارج أرضها في منطقة القرن الأفريقي، وأعلنت عن رفع ميزانيتها الدفاعية بنسبة 7.2 في المائة لتأتى ثاني أعلى ميزانية بعد الولايات المتحدة.
لكن رغم ذلك المؤهلات ما زال هناك عدة معوقات وتحديات، أولها - في رأينا - أن أغلبية المرحب بصعود الصين من أجل "النكاية" في الولايات المتحدة غير أن المشروع الصيني يعانى من بعض المشكلات منها غياب النموذج الساحر على غرار الحلم الأمريكى الذي جعل الولايات المتحدة تنتصر بمبادئها وقوتها الناعمة وإعلامها، قبل أن تسيطر بآلتها العسكرية وقوة الدولار.
وأن المعوق الأكبر هو أنه ما زال الناتج المحلى للولايات المتحدة هو الأكبر والأقوى، وتواجد الولايات المتحدة عسكريا من قواعدها وأساطيلها حول العالم، خلاف أن الاقتصادى الصينى قوته في تعاظم التبادل التجارى واحتياجه الشديد لأسواق أمريكا وأوروبا وبالتالي يقع تحت طائلة مبادئ الأمم المتحدة والقانون الدولى.
نهاية.. نعم الصين تمتلك مؤهلات لكن في اعتقادنا أنها لا تريد القيادة منفردة لكنها تؤمن أكثر بتعدد الأقطاب، وتسعى إلى التخفيف من مخاطر سطوة القطب الواحد، وهو ما يكشف سياستها الحيادية في كثير من الملفات كملف روسيا وأوكرانيا..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة