السؤال بالتأكيد صادم لكن ما يحدث فى الأيام الأخيرة داخل المؤسسات الأمريكية يجعل السؤال مطروحا ولو من باب التوقعات التى تبدو شبه مستحيلة، فالاقتصاد الأمريكى يمثل ما بين 18- 20% من إجمالى الاقتصاد العالمى، وحال حدوث أى هزات مالية فى واشنطن سوف يتأثر بها باقى الاقتصادات العالمية.
الأمر يبدو خطيرا والولايات المتحدة الأمريكية مهددة بالتخلف عن سداد الدين الحكومى، والوضع ينذر بأزمة كبيرة فى الولايات المتحدة وفقا للإعلان الرسمى لوزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين بالأمس فى رسالتها إلى رئيس مجلس النواب الجمهورى كيفن مكارثى.
الوزيرة حذرت من أن الولايات المتحدة مهددة بالتخلف عن سداد ديونها اعتبارا من بداية يونيو المقبل، فكما جاء فى رسالة الوزيرة الأمريكية فإن "أفضل تقديراتنا تقول إننا سنعجز عن الاستمرار فى الوفاء بجميع التزامات الحكومة بحلول مطلع يونيو، وربما اعتبارا من 1 يونيو، إذا لم يرفع الكونجرس أو يعلق سقف الدين قبل ذلك التاريخ".
وزيرة الخزانة دعت إلى ضرورة أن يتحرك الكونجرس فى أسرع وقت ممكن لزيادة أو تعليق سقف الدين على نحو يوفر يقينًا طويل الأجل بأن الحكومة ستواصل سداد مدفوعاتها.
تحذير الوزيرة دعا الرئيس الأمريكى بايدن إلى استنفار الكونجرس الأمريكى لبحث الأزمة الكبيرة بعد أن بلغت الديون الأمريكية الخارجية إلى حد رهيب وأصبحت الولايات المتحدة أكبر دولة مديونة فى العالم بحجم ديون بلغت 31.4 تريليون دولار - وفقا لما ذكره الكاتب الأمريكى جيم تانكرسلى فى مقاله فى صحيفة نيويورك تايمز فى نهاية يناير الماضى -
يقول الكاتب الأمريكى "إن ديون أمريكا أصبحت الآن 6 أضعاف ما كانت عليه فى بداية القرن الـ21، وقد وصلت إلى مستوى قياسى منذ الحرب العالمية الثانية مقارنة بحجم الاقتصاد الأمريكى، ومن المتوقع أن تنمو بمعدل 1.3 تريليون دولار سنويا خلال العقد المقبل."
قبل ذلك وفى العام الماضى أصدر البنك الدولى تقريرا يشير إلى أن إجمالى مديونيات الدول بلغ 248 تريليون دولار، وفى مقدمة هذه الدول الولايات المتحدة بما يزيد عن 30 تريليون دولار والصين مديونة بنحو 22 تريليون دولار.
الأزمة أو ربما الكارثة أن الولايات المتحدة تجاوزت الحد القانونى للاقتراض البالغ 31.4 تريليون دولار الأسبوع الماضى، ما وضع واشنطن على شفا مواجهة مالية أخرى، حيث يرفض الجمهوريون رفع هذا الحد ما لم يوافق الرئيس جو بايدن على تخفيضات حادة فى الإنفاق، ما يشير إلى تكرار سيناريو المواجهة الحزبية التى حدثت فى الكثير من المناسبات خلال العقدين الماضيين.
لكن من أين جاءت ديون أمريكا الاقتصاد الأكبر فى العالم..؟
الديون الأمريكية المتضخمة - كما يؤكد المتخصصون - جاءت نتيجة لخيارات اتخذها كل من الجمهوريين والديمقراطيين على حد السواء، فمنذ سنة 2000، اعتاد السياسيون من كلا الحزبين على اقتراض الأموال لتمويل الحروب، والتخفيضات الضريبية، وتوسيع الإنفاق الفدرالى، وتوفير الرعاية الصحية لجيل طفرة المواليد، واتخاذ تدابير طارئة لمساعدة الشعب على تحمل فترتين من الركود المنهك.
الاقتصاديون فى الولايات المتحدة يحذرون من أن الفشل فى رفع حد الدين قبل أن تبدأ الحكومة فى التهرب من فواتيرها - فى وقت مبكر من يونيو قد تصبح له تداعيات كارثية.
بالتالى فالضرورة تستدعى الآن رفع سقف الديون الأمريكية الذى يُسمح للحكومة الفدرالية باقتراضها عبر سندات الخزانة الأمريكية، مثل السندات وسندات الادخار، للوفاء بالتزاماتها المالية، ونظرا لأن الولايات المتحدة تعانى من عجز فى الميزانية، فعليها أن تقترض مبالغ ضخمة لتسديد فواتيرها، أما دون ذلك فلن تكون الحكومة قادرة على إصدار ديون جديدة ودفع فواتيرها، حيث يمكن للحكومة أن تنتهى من التخلف عن سداد ديونها إذا كانت غير قادرة على سداد المدفوعات المطلوبة لحاملى سنداتها، وسيكون مثل هذا السيناريو مدمرا اقتصاديا ويمكن أن يغرق العالم فى أزمة مالية وليست الولايات المتحدة وحدها.
ما تتعرض له الولايات المتحدة حاليا هو رد بالغ على بعض الأكاذيب التى رددها الحاقدون والكارهون لمصر عن عجز مصر عن سداد ديونها الخارجية، فمصر لم تتخلف ولو لفترة واحدة عن سداد أقساط الديون حتى فى أحلك الظروف الاقتصادية التى تعرضت لها منذ 25 يناير 2011 وحتى يونيو 2014، وأثناء تلك السنوات أوشكت حكومة هشام قنديل الإخوانية فى عام 2012 على إعلان عجز مصر عن سداد ديونها.. ومع ذلك تمكنت الإدارة المالية السليمة للبنك المركزى المصرى من تفادى هذه الأزمة.
هل شعر الناس فى مصر بالالتزامات المالية للدولة تجاه للمؤسسات الدولية وللحكومات الأجنبية والتى بلغت عام 2022 نحو 29 مليار دولار تم تسديدها دون تأخير.
بل وأعلن البنك المركزى المصرى، تراجع رصيد الدين الخارجى لمصر بنهاية شهر سبتمبر الماضى، ليسجل 155 مليار دولار، بتراجع قيمته 700 مليون دولار، ونسبته 0.5% مقارنة بنهاية شهر يونيو 2022، هذا الانخفاض يعود إلى تراجع سعر صرف معظم العملات المقترض بها أمام الدولار الأمريكى بنحو 2.7 مليار دولار، بالإضافة إلى ارتفاع صافى المستخدم من القروض والتسهيلات بنحو مليارى دولار.
الشىء الأهم فى رأيى هو ما تمثله نسبة رصيد الدين الخارجى إلى الناتج المحلى المصرى، فالدين الخارجى يمثل فقط نسبة 32.4% حتى نهاية سبتمبر 2022، وهى لا تزال فى الحدود الآمنة للغاية وفقا للمعايير الدولية.
وكما هو معروف فالنسبة الآمنة – عالميا - لأى دولة لا تتخلف عن سداد التزاماتها بالدولار، هى بين 30% إلى 50% ومصر 32.4% يعنى فى حد الأمان، علاوة - وهو أمر غاية فى الأهمية ليعرفه الناس - أن قروض مصر هى قروض منتجة وليست مستهلكة نتيجة للاستثمار فى الطاقة وهو ما نجد مردوده فى الناتج المحلى، بالإضافة إلى عامل السياسة الخارجية الجيدة والمتزنة للدولة وخاصة مع الأشقاء العرب ودول الخليج.
مصر ليست لديها مشكلة فى الالتزام بسداد ديونها المستحقة وفق الجدول الزمنى الخاص بذلك وأدعو المشغولين - بحسن نية أو سوء نية - بقضية الديون المصرية للاهتمام قليلا بما يحدث فى الولايات المتحدة وفى باقى دول العالم المديونة.
فالولايات المتحدة فى حالة عدم السداد الشهر المقبل سيندرج اسمها فى خانة "الدول المتعثرة" ثم من بعدها تدخل مرحلة الإفلاس وهو الأمر غير المتوقع بالطبع لكن الأوضاع مقلقة للغاية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة