هيثم الحاج على

السرديات المضادة وكيف نواجهها

الخميس، 04 مايو 2023 09:45 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لمصر جاذبيتها الخاصة التي تجعل الجميع يتمنون الانتماء إليها، وهويتها المتجذرة في التاريخ هوية نشطة، ينظر إليها أصحاب الهويات الأخرى نظرة إعلاء، سواء أرادوا لها خيرا فاعترفوا بذلك، أو أرادوا بها غير ذلك فحاولوا النيل منها، وذلك بطرق متعددة منها محاولة التقليل من شأنها، أو إظهارها بصورة مخالفة لما عرفها به التاريخ، أو حتى محاولة الادعاء بأن هذه الهوية لم ينتجها المصريون.

والحقيقة التاريخية الثابتة أن مصر هي أولى الدول المعروفة في التاريخ وأقدمها، ينتمي إليها أول شعب يعرف الحدود الثابتة والحكومة المركزية كما في الدول الحديثة، والاستقرار سمة أصيلة جعلت كل الشعوب الرحالة تتمنى الانتماء إلى مصر إن لم تستطع تحقيق ذلك الاستقرار مثلها، وهو الأمر الذي جعلها هدفا لكثير من حملات الاستعمار الاستيطاني على مدار التاريخ، بل هو ما جعل كثيرا من هؤلاء المستعمرين وقوادهم يتحايلون ليصبحوا مصريين، مثلما فعل الهكسوس، وحاول قمبيز أو الإسكندر، وحتى مينو.

 الحقيقة الثانية أن الحضارة المصرية حضارة مشعة، لها منجزها الباقي عبر التاريخ، ذلك المنجز الذي يشبه نجاحا يتمنى الآخرون إنجازه، أو على الأقل المشاركة في إنجازه، مما ينتج ادعاءات نجدها تتكرر بين الحين والآخر، فيما يشبه السرديات المضادة التي تحاول نسج تاريخ على عكس الوقائع التاريخية، خاصة في الفترات التي ينشغل فيها المصريون عن هويتهم وذواتهم، بما يصنع فجوة يملأها الآخرون بما يريدون أو يتمنون.

والسرديات المضادة هي تصورات مغلوطة ينتجها البعض لصنع تفسيراتهم الخاصة للتاريخ الذي يمكن اعتباره السردية الأصلية، أو لصياغة تاريخ جديد أو تلفيقه، تحقيقا لهدف سياسي أو حتى نفسي بإثبات التفوق أو التحقق عن طريق النيل ممن يراه السارد الجديد كبيرا، أو على الأقل الانتماء إليه.

وفي الفترة الأخيرة تعددت مثل هذه السرديات، لكن ما يسترعي الانتباه منها، بل ما يجب اعتباره أكثر خطورة على الأقل الآن، سرديتان يجب التصدي لهما بصورة أكثر وضوحا وقوة، الأولى هي التي تحاول تغيير الحقيقة المتعلقة بنصرنا في حرب أكتوبر، والتي يتم طرحها في كثير من وسائط الاتصال العالمية، ويمكن اعتبارها في سبيلها إلى التسلل إلى عقول أبنائنا ممن يتعلمون بالخارج، وبعض ممن يتلقون تعليما أجنبيا في مصر، وهي تستدعي العمل إعلاميا ليس فقط في داخل الوطن لكن كذلك على مستوى العالم بطرح وتكرار وربما الإلحاح على الحقائق التاريخية، وربما يكون علينا إنتاج أعمال وثائقية ودرامية معتمدة على تفاصيل الانتصارات الحقيقية لكن بمستوى يستطيع المنافسة عالميا، وبخطاب يفهمه العالم الخارجي، كما أنها تستوجب مراقبة ومراجعة المقررات العلمية الأجنبية التي يدرسها أبناؤنا في المدارس الدولية والأجنبية والتدخل لتصحيحها.

أما السردية الثانية التي تبدو على المستوى نفسه من الخطورة فهي سردية الضلوع الأفريقي في بناء مفردات الحضارة المصرية القديمة أو ما يسمى بالأفروسينتريك، وهي سردية ربما تعادل في خطورتها المزاعم المتعلقة ببناء اليهود للهرم، فكلاهما تحاول بيان أن من بنى الحضارة المصرية عقول أخرى غير المصريين، وهي أمور تستوجب علينا، الآن وهنا، الشروع في صياغة الدراسات العلمية والتاريخية والأثرية والثقافية التي يمكنها وضع الحقائق في نصابها، والعمل بقوة على جعل هذه الدراسات قريبة من أذهان المهتمين على مستوى العالم.

إن أي تقصير الآن من قبل كل من دارسينا ومثقفينا ومبدعينا على اختلاف مشاربهم واتجاهات إبداعهم هو أمر لن يكون مقبولا أمام التاريخ، هو دورنا جميعا الذي يجب أن نقوم به حماية لهذا التاريخ، وصونا لمستقبل وعي أبنائنا من الاختراق، ودفاعا عن حقائق تاريخنا التي هي العماد الأساسي الذي يشكل هويتنا.  










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة