هيثم الحاج على

ابن خلدون وصناعة التاريخ

الخميس، 01 يونيو 2023 01:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

احتفى معرض أبو ظبي للكتاب هذا العام بشخصية ابن خلدون بوصفه الشخصية الرئيسية للمعرض هذا العام، وهي عادة حسنة استنها المعرض العام الماضي فاحتفى بعميد الأدب العربي طه حسين، حيث التركيز على أهم الشخصيات التي أثرت في الثقافة العربية والعالم، والتركيز على منجزات هذه الشخصيات ومناقشتها، وهو الأمر الذي يفتح بابا لمعرفة جوانب غير مطروقة من الثقافة العربية وإعادة طرحها ربما بصورة جديدة صالحة لعصر جديد.

ولابن خلدون (المولود في تونس 1332م والمتوفى في القاهرة 1406م) أثر كبير في بناء المنهج العلمي الحديث لرؤية التاريخ بوصفه مسرودة يجب تمحيصها خاصة فيما يتعلق بالظواهر الاجتماعية ودراسة التغيرات التي تطرأ عليها، وهو ما أسس له في مقدمته لكتابه بالغ الأهمية (العبر وديوان المُبتدأ والخبر في أيام العَرب والعَجم والبَربر وَمَن عاصَرَهُم من ذَوي السُلطان الأكبر)، وهي المقدمة التي تم اعتبارها الكتاب المؤسس لعلم الاجتماع الحديث بما بها من مقولات أشارت بصورة واضحة إلى ما أسماه علم العمران، وهو الأمر الذي أثر بقوة في اتجاهات العلوم الإنسانية فيما تلاه من قرون حتى العصر الحديث.

كانت ندوة أثر ابن خلدون في الفكر العالمي واحدة من الندوات الساخنة في برنامج المعرض حيث شارك فيها ثلاثة من المسشترقين هم الفرنسي د.فلوريال ساناجاستين والهندي د. ذكر الرحمن والمترجم الألماني شتيفان فايندر، وكان لي شرف إدارتها، حيث أشرت في البداية إلى المعلومات السابقة عن ابن خلدون فانبرى المستشرق الفرنسي لإنكار فكرة تأسيس ابن خلدون لعلم الاجتماع بحجة أنه قد عاش قبل ظهور هذا العلم بخمسة قرون وإن كان له أثر كبير ومهم لكننا – حسب تعبيره – لا يجب أن نبالغ في تلك الأهمية، وبعد أن رددت عليه بأن تأسيس العلم هو الريادة فيه ولا يشترط أن يكون العالم قد أنشأ نظرية متكاملة بل البدء في إرساء أسسه وهو ما فعله ابن خلدون، وهو الأمر الذي تابع فيه الهندي د. ذكر الرحمن الذي عدد في مداخلته المقولات التي قالها ابن خلدون وتم استلهامها من قبل علماء أوربيين مشهورين مثل هابر ماس وآدم سميث وكارل ماركس وغيرهم، ثم تبع ذلك مداخلة المترجم الألماني شتيفان فايندر الذي عدد جوانب أهمية إسهام ابن خلدون وكيف أن مقدمته لم تترجم حتى الآن إلى الألمانية، ثم أشار – حسب تعبيره – إلى صلف الغرب في التعامل مع المنتج الفكري الإنساني العربي وإنكاره لكثير من منجزات العلماء العرب، داعيا إلى إعادة الاعتبار للعلوم الإنسانية العربية وإعادة النظر في أثرها الكبير في أوربا.

لم تكن إذن مجرد ندوة عابرة لكنها كانت حوارا كاشفا يجعلنا نقف مرة أخرى وبصورة واضحة أمام ثقافتنا بوصفها مفصلا مهما في التاريخ الإنساني، يحتاج منا إلى التمعن والدرس العميق لما أنجزته تلك الثقافة وتعريف أولادنا بهذا المنجز ليعلموا أن هناك ما يمكنهم تقديمه، والإضافة عليه، إنها جزء مهم من هويتنا التي يصبح فرضا علينا معرفته والبناء عليه.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة