عشنا وقتا طويلا يتملكنا شعور قوى بأن فن القصة القصيرة "متراجع فى مصر" وأنه ليس فى أحسن حال، وأن الرواية قد أضرت به ضررا كبيرا، وأن دور النشر لا تهتم، وأن القراء يرونه حكاية ناقصة، وأن الجوائز الأدبية لم تنصفه أبدا، وأن المؤتمرات الأدبية لا تعطه حقه.. لكن الحمد لله رب العالمين لقد تغير كل ذلك الآن، ويكفى أن أقول لك إن إحدى المسابقات الأدبية المتخصصة فى فن القصة القصيرة (ملتقى القصة القصيرة) قد تلقت حسب بيان رسمى لها، صدر مؤخرا، ثمانين مجموعة قصصية من مصر فقط.
نعم، تلقت ثمانين مجموعة قصصية، فما بالك بمن لم يتقدموا للمسابقة أصلا، وكل ذلك مؤشر مهم جدا يجعلنا نتوقف أمامه مؤكدين عودة القصة القصيرة إلى الساحة الإعلامية، أما ما يتعلق بكتابة "القصة" ففى ظنى أنها لم تغب أصلا ولم تتوقف يوما، لكن الذى انحسر عنها كان الإعلام والنقد الذى يتلقاها بالقراءة والتحليل، أما كتابة القصة القصيرة فموجودة، ولا يزال لدينا العديد من الكتاب المخلصين لهذا الفن البديع.
بالطبع حدث بعض الإرباك الذى يمكن إرجاع جزء كبير منه إلى دخول جزء كبير من الكتاب عالم الكتابة وهم لا يعرفون شيئا عن فن القصة القصيرة، جذبتهم الرواية بما تحدثه من شهرة، وهم أصلا لا يهتمون بفن الكتابة، بل مشغولون بصناعة الشهرة، وجانب آخر من الربكة حدث لأن البعض – خاصة الأجيال الجديدة – يظن أن القصة القصيرة مرحلة "تجريبية" فى حياة الروائي، يمر بها كى يحصل على الثقة اللازمة لكتابة رواية، والبعض الآخر من الكتاب يرى فى فن القصة القصيرة أنها مرحلة متأخرة يصل إليها الكاتب بعدما ينتهى تقريبا ولا يملك القدرة على السرد والحبكة والمط والتطويل.
كل هذه التصورات عن فن القصة القصيرة خطأ، فهى فن مكتمل لا علاقة له بفن الرواية ولا فن الشعر ولا فن المسرح ولا غير ذلك، هى فن له قواعده وله فنياته وله جماله وتأثيره.
هى فن خاص، ليس مرحلة فى حياة الكاتب، وليست تدريبا ولا تجريبا، إنها حالة مكتملة بكل ما جرى فيها.
وعلى العموم نحن سعداء بعودة فن القصة القصيرة إلى مكانتها المستحقة، ونتمنى لها مزيدا من الازدهار.