كل حاج على عرفات اليوم واحد من ملايين، من دول وبلاد وثقافات وفئات وطبقات من كل أركان الدنيا، لا يمكن التفرقة بين رجل وامرأة أو غنى وفقير أو عالم وجاهل، تجربة مجانية فى الوحدة، مشهد سنوى على مدى قرون، يتكرر من الكعبة إلى جبل عرفات، واللافت أنه فى العمرة والحج، يقف المسلمون فى ثوب بسيط غير مخيط، وبلا أى زخرف أو علامات، فى الطواف لسبعة أشواط، حول الكعبة، أو السعى بين الصفا والمروة، يستعيدون تجربة هاجر أم إسماعيل، وهى فى واد غير ذى زرع، تبحث عن الماء والطعام، وتسعى بين الجبلين، وفى الشوط السابع تتفجر المياه تحت أقدام إسماعيل، درس فى الصبر والسعى والأمل وعدم اليأس، وفى العمرة والحج تختفى المظاهر والمذاهب والفوارق ويظهر سؤال: إذا كان المسلمون قادرين على أن يجتمعوا معا فى كل عام، فلماذا ينشقون وينشطرون؟
هذه الصورة التى تتوحد فيها قلوب الحجاج على شىء واحد ونداء واحد وصلوات واحدة رغم اختلاف التصورات والآراء والأمزجة، وكل منهم ينتمى إلى مذهب أو اتجاه فى الحياة والعقيدة دون أن يفكر أيهم فى استبعاد الآخرين أو نفى وجودهم.
الدرس الذى يجب أن يقدمه الحج، هو أن الناس متساوون كأسنان المشط وأنهم جميعًا يلجأون إلى الله بلا وسيط، لا فضل لأسود على أبيض ولا لأبيض على أسود، ولا لعربى على أعجمى إلا بالتقوى.
درس توفره العبادات التى يقف الناس أمامها كما ولدتهم أمهاتهم، لكن هذه البراءة تذوب مع صراعات الحياة ويحل محلها الطمع والتعصب.
الحج هو الدرس الذى يحتاجه المسلمون من شيعة وسنّة، ولا نعرف السبب الذى يفرق الناس، فهى أطماع وغرائز، مع أن الحياة متاحة للجميع، ومع أنه يمكن أن يتوحد الجميع نحو الأهداف حتى لو اختلفت الوسائل، الدرس بسيط وواضح ومع هذا لا يستوعبه كثيرون.
المسلمون فى حاجة لأن يتعلموا من الدرس، أن الدنيا تتسع للجميع، وأن التقوى فى التسامح والاستيعاب، وأن السعادة لا تتوفر بأن يكون هناك متخمون وإخوتهم فى الإنسانية جائعين.
فى عرفات دروس للأغنياء قبل الفقراء، وللأقوياء قبل الضعفاء، درس فى التسامح والاستيعاب اليوم، يقف المسلمون جميعًا واتفق المصريون أن يوحدوا دعاءهم من أجل مصر، ونتمنى أن يتجاوز الأمر الدعاء إلى التعلم من درس الحج، لاستعادة الوحدة.
الوحدة لا تعنى أن يوضع الناس جميعًا فى قوالب موحدة، لكن أن يكون هناك اتفاق على الأهداف واعتراف بوجود اختلافات فى الآراء والتصورات والوسائل، ويتعلمون أن الاختلافات بين البشر لا تعنى العداء بين أنصار العقيدة الواحدة، أو مع أصحاب العقائد الأخرى. درس فى التسامح والحرية، والمساواة ، ربما هذا الدرس ليس للمسلمين فقط، بل للبشر جميعًا، لأنه درس إبراهيم أبو الأنبياء، والذى بنا أول بيت وضع للناس، فى واد غير ذى زرع، تفجرت فيه المياه، وأفئدة من ملايين الناس تهوى إليهم، وتسعى بكل السبل للذهاب إلى هناك.
هؤلاء الملايين ممن يقفون على عرفات، يحملون مشاعر واحدة، يدعون ويمتثلون، فى عيد الأضحى درس إبراهيم فى الوحدة والمساواة، الصبر والسعى والأمل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة