يمكن النظر إلى القمة الروسية - الأفريقية الثانية، فى سياق القمة الأولى من ناحية، ومن ناحية أخرى من زاوية التحولات الدولية والإقليمية التى لم تتوقف خلال عقد كامل، وهى تحولات تتعلق بالاقتصاد والتنمية من جهة، والانعكاسات السياسية التى تصنع استقطابا لا ترى الدول الأفريقية أنها طرفا فيه.
أهم ما أكد عليه الرئيس عبدالفتاح السيسى، وزعماء أفريقيا فى القمة، أن الدول الأفريقية هى دول ذات سيادة، وأن لها مصالح تسعى لتحقيقها، بعيدا عن الاستقطابات السياسية، ومع هذا قدمت الدول الأفريقية مطالب ومبادرات لوقف الحرب الروسية - الأوكرانية التى تنعكس سلبا على أسعار الغذاء والنقل والطاقة، وسبق أن شاركت مصر وأفريقيا فى قمم مع التجمعات والقوى الكبرى، وهى قمم أفريقيا: «الصين، اليابان، أوروبا، وأمريكا»، وقدمت المطالب ذاتها والتصورات، حق أفريقيا فى التنمية وإتاحة الفرص لاستثمارات تفيد كل أطرافها، والتعامل بعدالة من قضية التمويل والديون وتعويضات المناخ.
وشارك الرئيس عبدالفتاح السيسى، بمدينة سان بطرسبرج، فى اجتماع مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، إلى جانب قادة الدول الأفريقية المشاركين فى مبادرة الوساطة الأفريقية لتسوية الأزمة الروسية - الأوكرانية، حيث تابع القادة خلال الاجتماع مستجدات المبادرة الأفريقية للوساطة بين روسيا وأوكرانيا، مع تأكيد أن أفريقيا لها مصلحة أساسية فى العمل على إنهاء هذا النزاع بالنظر لآثاره السلبية الهائلة على عدد من القطاعات الحيوية، مثل أمن الغذاء والطاقة والتمويل الدولى، وتم التوافق على استمرار العمل المكثف على دفع المبادرة الأفريقية من خلال بلورة الآليات اللازمة لتشجيع الجانبين الروسى والأوكرانى على الانخراط فيها بشكل إيجابى خلال الفترة المقبلة.
ومن بين النتائج الإيجابية للقمة، هى انفراجة فى أزمة الحبوب التى خلفتها الحرب، حيث إن روسيا وأوكرانيا من أكبر منتجى وموردى الحبوب والزيوت والأسمدة، وخروج روسيا من اتفاقية الحبوب ترك آثارا سلبية على الدول الأكثر احتياجا فى أفريقيا، وقد دعا الرئيس السيسى، وعدد من زعماء أفريقيا إلى ضرورة الحفاظ على اتفاقية الحبوب فى البحر الأسود بالشكل الذى يخفف تداعياتها.
الرئيس الروسى بوتين، من جانبه، وعد بالعمل على إنهائها، من خلال تجاوز أفريقيا هذه التداعيات وتوفير 50 ألف طن حبوب لدولها، مع توريد الحبوب مجانا إلى ست دول بالقارة، هى «بوركينا فاسو، وزيمبابوى، ومالى، والصومال، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وإريتريا»، ودعم الدول فى التكنولوجيات الزراعية.
ومن بين مكاسب القمة الروسية - الأفريقية، زيادة حجم التبادل التجارى بالعملات الوطنية، وتنويعه حيث يتطلب التعامل بالعملات الوطنية، وهو ما يخفف الضغط على العملات الصعبة.
ثنائيا، فإن العلاقات المصرية - الروسية من بين القضايا التى تم تناولها فى لقاء السيسى بوتين، حيث تم الاتفاق على تعزيز المشروعات الروسية فى مصر بمحطة الضبعة والمنطقة الصناعية الروسية فى قناة السويس، وتحدث الرئيس الروسى عن مجموعة من المشاريع العملاقة التى تنفذها روسيا فى مصر، وعلى رأسها المفاعل النووى فى الضبعة، وإطلاق منطقة صناعية روسية فى منطقة قناة السويس، من المقرر توزيع منتجاتها بأفريقيا، بجانب العديد من الشركات الروسية التى تعمل فى مجال تطوير حقول النفط والغاز فى الدول الأفريقية ومنها مصر والجزائر.
من جهتها، فإن مصر على مدار السنوات الماضية تحرص على بناء علاقة مع دول العالم، على التعاون والتوازن، وسواء أثناء رئاستها للاتحاد الأفريقى أو بعده، وترى أن القارة الأفريقية لديها إمكانيات وفرص، وأن وجود تكتل أفريقى يمكن أن يتيح الفرصة أكثر لأفريقيا لطرح وجهات نظرها، تجاه القضايا المختلفة بجانب حق أفريقيا فى التنمية والتقدم بناء على إمكانياتها، بل أن تكون لها أصوات ووجود يتناسب مع حجم سكانها وإمكانياتها، أفريقيا لديها ثروات، لكنها تعانى من ضعف التنمية لأسباب كثيرة، منها التغير المناخى وأيضًا تراكمات آثار الاستعمار القديم الذى حرص على نزح ثروات أفريقيا من دون فرصة لتوظيف ثرواتها.
وفى النهاية، فإن القمة الروسية - الأفريقية، تأتى نتاج جهد جماعى لمصر والأشقاء الأفارقة، بحثًا عن ضمان مصالح القارة ودولها، وتقليل التداعيات السلبية للصراعات والمنافسات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة