استضافت جمهورية مصر العربية، في نوفمبر 2022، قمة المناخCOP27 والذي يعد الحدث الأبرز عالميا، والذي يقام كل عام في دولة مختلفة من دول العالم طبقا لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغيير المناخ، وسيتم عقد قمة المناخ COP28 في دولة الإمارات العربية المتحدة. ويسلط مؤتمر المناخ الضوء على القضايا المتعلقة بالتغيرات المناخية الحادة الناتجة عن الأنشطة البشرية المختلفة، والتي قد تتسبب في كوارث طبيعية مثل التصحر والحرائق والفيضانات والاحتباس الحراري والتي من شأنها أن تؤدي إلى أزمات صحية وغذائية عالمية.
وعادة ما يتم تحميل الآثار السلبية الناتجة عن تغيير المناخ إلى بني البشر، وتعتبر الكوارث الطبيعية الناتجة عن التغيرات المناخية من فعل بني البشر في المرتبة الأولى، حيث أدى التدخل البشري العميق في النظام البيئي إلى حالة من عدم التوازن والذي تسبب في خلل كبير في جميع الأنظمة البيولوجية. ومن هنا تأتي أهمية قمة المناخ لتحقيق الأهداف الرئيسية الملخصة في توضيح أليات التكيف مع الظواهر المناخية، وتخفيف الأحمال لاستعادة النظام البيئي.
عادة يطرح السؤال على النحو التالي: "ما تأثير الإنسان/البشرية على المناخ؟"، وذلك لاعتبار أن الإنسان هو السبب الأول في حدوث هذه التغيرات المناخية الحادة، والتي بالطبع سترتد بالهلاك على البشرية مثلما نرى الآن من ضحايا في حرائق الغابات التي تشتعل بفعل الاحتباس الحراري وزيادة درجة حرارة الكوكب والفيضانات التي تدمر مدن بأكملها بدون سابق إنذار، وغيرها من الكوارث الطبيعية التي نسمع عنها ونعيشها يوميا على غير العادة! ومع كل ذلك؛ نادرا ما يتفكر الإنسان في تأثير المناخ عليه كإنسان، من حيث وظائفه الحيوية وحياته اليومية المعتادة.
وهنا يأتي السؤال هل تتأثر أصواتنا بالمناخ؟
من المتعارف عليه أنه في فصل الشتاء أو الأماكن ذات درجات الحرارة المنخفضة ينصح بشرب المشروبات الدافئة والتي تساعد على شعور الإنسان بالدفء. وعلى العكس في فصل الصيف أو في الأماكن ذات درجات الحرارة العالية، حيث ينصح بشرب المشروبات الباردة لتخفيف درجة حرارة الجسم. ومن ناحية أخرى، نجد البعض يحب تناول المشروبات الباردة أو المثلجات في فصل الشتاء، مؤكدين أن تناول المثلجات في فصل الشتاء يوازن درجة حرارة أجسادهم بحيث يجعل أجسادهم أكثر برودة مما يعادل درجة حرارة الجو الخارجي البارد. ولكن غالبا لا يتم تطبيق هذه النظرية في فصل الصيف!
مما لا شك فيه أن جودة الصوت تتأثر بالمشروبات والمأكولات التي يتناولها الإنسان على مدار اليوم، بالإضافة للمجهود الصوتي الذي يبذله أثناء التحدث في المواقف المختلفة.
فزيائيا، عملية الكلام عبارة عن طاقة، طاقة كامنة للجسم تتحول إلى طاقة حركية ناتجة عن حركة الثنايا الصوتية وأعضاء النطق والكلام المختلفة لدى الإنسان. وينتج عن هذه الطاقة سلسلة من الاهتزازات التي تنتقل عبر جزيئات المادة (الغازية أو السائلة أو الصلبة)، وينتج عن هذه الاهتزازات الموجة الصوتية التي تتحرك خارج الصندوق الصوتي (أي الحنجرة) وتنتشر في الهواء فتكون مسموعة للشخص المتحدث وللمستمعين الأخرين خلال مدى سمعي معين.
الصوت، بشكل عام، ينتقل أسرع ويكون أوضح في الهواء الدافئ، وتقل سرعته في درجة الحرارة المنخفضة، لأنه كلما قلت الكثافة زادت السرعة. وبذلك يكون انتقال الصوت في الغازات أبطأ منه في السوائل وتكون أعلى سرعة للصوت في المواد الصلبة. حيث ينتقل الصوت بالهواء في الظروف المحيطة الجافة في درجة حرارة 20 درجة مئوية بسرعة حوالي 340 متر في الثانية، بينما تصل سرعة الصوت في الماء إلى حوالي 1500 متر في الثانية، وتصل سرعة الصوت في الحديد إلى أكثر من 5000 متر في الثانية.
وهنا يأتي سؤال أخر؛ لماذا نسمع أصواتنا في الهواء ولا نسمعها في الحديد أو الماء بالرغم أن سرعة الصوت تكون أعلى بحوالي من 5 إلى 16 ضعف؟
والإجابة تعود لجزيئات الماء والحديد، حيث أن المواد السائلة والصلبة جزيئاتها متماسكة ومترابطة بشكل أقوى من جزيئات المواد الغازية (التي تكون متباعدة بحيث تسمح بمرور الموجات الصوتية من خلالها). لذلك بالرغم من سرعة انتقال الصوت بالمواد السائلة والصلبة؛ إلا أنها لا تسمح بمرور موجات الصوت عبر جزيئاتها. بالإضافة إلى أن شدة الموجة الصوتية الناتجة عن أصواتنا البشرية ليست بذات القوة التي يمكنها أن تعبر من خلال جزيئات المواد السائلة أو الصلبة، وإنما يمكن للموجات الصوتية الناتجة عن أصواتنا أن تعبر بين جزيئات المواد الغازية، ولذلك ينتقل الصوت عبر الهواء بشكل سلسل ومسموع.
منذ انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتطويرها من رسائل كتابية إلى، أيضا، رسائل صوتية، تتيح للمراسل أن يعبر عن وجهة نظره بصوته وليس فقط بكلماته المقروءة، وأصبح الجميع يعاني ويتساءل باستغراب؛ أنه عندما يعيد الاستماع لرسائله الصوتية التي سجلها بنفسه وبصوته، يشعر أن صوته ليس صوته الحقيقي الذي يستخدمه في الكلام اليومي المباشر مع أهله وأقرانه. لا تقلق صديقي القارئ المستمع، هذه أمر طبيعي جدا وليس له علاقة مباشرة بصوتك، وإنما له علاقة بكيفية انتقال الموجات الصوتية. حيث أن المدى الذي ينتقل فيه صوتك من حنجرتك إلى أذنك أقصر بكثير من المدى الذي ينتقل فيه صوتك إلى إذن المستمع. حيث يعد الطريق الذي ينتقل فيه صوتك من حنجرتك إلى أذنك بمثابة طريق داخلي مباشر من خلال عظام الجمجمة إلى المخ. بينما الطريق الذي ينتقل فيه صوتك من حنجرتك إلى أذن المستمع يعد بمثابة طريق طويل شاق واسع الانتشار في الهواء ومتأثرا بالضوضاء والعوامل الخارجية مثل الضغط والحرارة. ومن الطبيعي أن الإنسان معتاد على سماع صوته الصافي الذي ينتقل عبر الطريق الداخلي إلى الأذن وعظام الجمجمة إلى المخ مباشرة، ولا يدرك صوته الذي يسمعه الناس من حوله إلا عند تسجيل صوته وسماع ذلك الصوت المسجل بأذنه.
وبعد كل هذا الشرح -الذي أتمنى من الله أن أكون وفقت في تفسيره بشكل مبسط- عن ماهية الموجات الصوتية وكيفية انتقالها عبر الجزيئات المختلفة؛ هل تتأثر أصواتنا بالعوامل المناخية المختلفة مثل الحرارة والبرودة؟ وإذا كانت تتأثر، فكيف لنا أن نحمي أصواتنا من هذه التغيرات المناخية وآثارها الوخيمة؟
نعم صديقي القارئ، تتأثر أصواتنا كما تتأثر نفسيتنا بعوامل المناخ المختلفة مثل الحرارة والبرودة والرطوبة والجفاف، ويكون هذا التأثير نتيجة تأثر أجسادنا بهذه العوامل المناخية أيضا. فعلى سبيل المثال، في حالة الحرارة الشديدة يرتخي الجسم وترتخي العضلات، ومنها ترتخي عضلات الثنايا الصوتية وتصبح غير قادرة على إنتاج الصوت داخل الصندوق الصوتي (الحنجرة)، أو تنتجه ولكن بشدة ضعيفة جدا، فيصبح صوتك مرتخي وضعيف ومنخفض، وربما من يسمعك وأنت تتحدث عبر الهاتف يتخيل أنك مريض أو نائم ويقول لك الجملة الشهيرة: "مال صوتك؟!" ومنها يكون الرد بالجملة الشهيرة أيضا: "ماعنديش طاقة أتكلم!"
وعلى العكس في درجات الحرارة المنخفضة، فتميل أعضاء النطق والكلام لديك إلى الحركة وإلى التحدث بشكل كبير وبقوة أعلى، لأن هذه الحركة الناتجة عن حركة أعضاء النطق والكلام، تولد طاقة حركية من طاقة الجسم الكامنة، فتساعد الجسم على التدفئة، ولذلك نميل أكثر إلى تناول المقرمشات والمأكولات والمشروبات بشكل أكبر في فصل الشتاء عن فصل الصيف!
وهنا يجب التنويه، أن كل هذه التغيرات الصوتية الناتجة عن التغيرات المناخية، ماهي إلى تغيرات عرضية ووقتيه ولا تؤثر بشكل مباشر على خامة الصوت أو بصمة صوت المتكلم.
إذن؛ كيف نحمي أصواتنا من هذه التغيرات المناخية بخاصة إذا كان عملك الذي تمارسه بشكل يومي يعتمد على صوتك؟
الإجابة في كلمة واحدة هي: "الترطيب"؛ يجب علينا جميعا الاهتمام بترطيب أعضاء النطق والكلام وهذا عن طريق عدة خطوات بسيطة، أهمها؛ شرب الماء (معتدل الحرارة) بشكل دائم ومستمر، والابتعاد عن المشروبات عالية السكر، والابتعاد عن المأكولات المالحة، بالإضافة للتنفس بشكل سليم ومريح، وأيضا، ممارسة بعض التدريبات الصوتية البسيطة التي تساعد على تقوية الصوت وأعضاء النطق والكلام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة