بيشوى رمزى

"بريكس" ومجموعة العشرين.. وحالة "البحث عن شرعية" دولية بديلة

الأحد، 10 سبتمبر 2023 04:35 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
المعضلة الحقيقية التي باتت تواجه القوى الدولية الكبرى، في اللحظة الراهنة، تتجسد في الكيفية التي يمكن الحصول بها على "الشرعية" في مواجهة خصومها، خاصة فيما يتعلق بالقيادة أو اتخاذ القرارات الدولي، وهو الأمر الذي ربما كانت توفره الأمم المتحدة، منذ نشأتها منذ الأربعينات في القرن الماضي، إلا أن دورها تراجع تدريجيا، خلال العقود الماضية، خاصة مع نهاية الحرب الباردة، وتصاعد دور المنظمات الإقليمية، وفي القلب منها الاتحاد الأوروبي، والذي تأسس في أوائل التسعينات، ربما لملء الفراغ الناجم عن انهيار الاتحاد السوفيتي، ليشكل قوى دولية كبيرة يمكنها التأثير على دوائر صناعة القرار الدولية، إلى الحد الذي جعله في بعض الأحيان مصدرا بديلا لـ"الشرعية" الدولية، على غرار ما حدث إبان الحرب على العراق، في 2003، والتي لم تحظى بمباركة أممية، بينما نالت دعما أوروبيا، سواء عسكريا عن طريق مشاركة فرنسا وبريطانيا، وإن كانت رمزية، أو سياسية عبر "أوروبا الموحدة".
 
وهنا تضاءلت أهمية "الشرعية" الأممية، مع انطلاق حقبة الهيمنة الأحادية، وجرى استبدالها بأدوات أخرى، ربما أبرزها ما أسميته في مقال سابق بـ"شرعية التحالفات"، وهو ما بدا في نموذج الحرب على العراق، حيث تجاوزت واشنطن الرفض الأممي لخطوة الغزو، عبر تشكيل تحالف، على مسارين أولهما عسكري عبر مشاركة بريطانيا وفرنسا، والأخر سياسي، عبر الحصول على دعم أوروبي، من خلال حالة الاتحاد، والتي أضفت غطاء بديل لـ"الشرعية" الدولية، حال تصادم الأهواء الأمريكية مع الأمم المتحدة، وذلك بالرغم من غياب خصوم حقيقيين لواشنطن خلال تلك الفترة، يمكنهم مزاحمتها على قمة النظام الدولي.
 
إلا أن اللحظة الراهنة ربما تشهد حقبة جديدة، فيما يتعلق بأدوات "الشرعية"، عبر ما يسمى بالتكتلات، على غرار "بريكس"، والذي بات أحد أهم الأدوات التي تعتمدها القوى الصاعدة، على غرار روسيا والصين، لكسب مزيد من التأييد الدولي، وهو ما بدا في توسعها الكبير، بقبول انضمام 6 دول خلال قمتها الأخيرة، والتي عقدت في جنوب أفريقيا، في الشهر الماضي، وهو ما يعكس رغبة ملحة في التمدد إلى نطاق جغرافي أكثر اتساعا، بينما نجد مجموعة العشرين، والتي تتبنى رؤى الغرب، تسير على نفس النهج، عبر الموافقة على انضمام الاتحاد الأفريقي لها، في خطوة تعكس حالة من الاستقطاب تشهده القارة السمراء، في ظل الصعود الملموس في ثقلها الدولي.
 
ولعل الحالة الراهنة، والتي تتجسد في معضلة "البحث" عن أدوات جديدة لـ"الشرعية" الدولية، تمثل السبب الرئيسي وراء حالة التنافس الكبيرة على استقطاب مناطق عانت من سنوات طويلة من التهميش، على غرار إفريقيا، وأمريكا اللاتينية، ناهيك عن المنطقة العربية، وبالتالي المنظمات الإقليمية المرتبطة بتلك المناطق، على غرار الاتحاد الإفريقي، وهو الأمر الذي من شأنه تعزيز مواقف المتنافسين على قمة النظام العالمي، وهو ما ساهم في زيادة مساحة الدور الذي يمكن أن تقوم به القوى الإقليمية المؤثرة في تلك المناطق.
 
والملاحظ في البدائل المتاحة، لتحقيق الشرعية، سواء في صورة "بريكس" أو مجموعة العشرين، هو أنهما يتسمان بقدر من التعددية، وهو ما يمثل تناغما مع الطبيعة الجديدة للنظام العالمي، التي ستتمخض عنها لا محالة الأوضاع الدولية الراهنة، رغم توجه كلا منهما ناحية معسكر بعينه، حيث يضمان بين أعضائهما توجهات مختلفة، وربما متعارضة، تحمل في طياتها تنافسا شرسا، في الكثير من الأحيان، على غرار الصين والهند في بريكس، أو روسيا والولايات المتحدة في مجموعة العشرين، بينما يبقى لكل عضو داخلهما قدرا من النفوذ، على عكس الهيمنة المطلقة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها على زمام الأمور داخل الأمم المتحدة مؤسساتها، خاصة في العقود الثلاثة الأخيرة، والتي أعقبت الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفيتي.
 
وفى الواقع، يبدو اختيار الاتحاد الإفريقي لعضوية مجموعة العشرين امتدادا للعديد من الخطوات الأخرى التي سبق وأن اتخذتها الأطراف المتنافسة في الأشهر الماضية، في إطار استقطاب تلك المنطقة الجغرافية، بينما يمثل في الوقت نفسه انعكاسا لحرص دول القارة على الاحتفاظ بمواقفهم المحايدة، تجاه أطراف الصراع الدولي، وهو ما بدا واضحا إبان الأزمة الأوكرانية، وهو ما يساهم بصورة كبيرة في زيادة الزخم الدولي الذي تحظى به القارة وغيرها من مناطق العالم النامي.
 
وهنا يمكننا القول بأن الأمم المتحدة أصبحت تعاني جراء عدم قدرتها على مجاراة الواقع الدولي، على خلفية السيطرة عليها من قبل معسكر بعينه، بينما باتت التجمعات التي تحمل في الأصل طابعا اقتصاديا كيانات قادرة على تعويض الفراغ الأممي، في ظل مرحلة تبدو حساسة جراء الاستقطاب الدولي المتنامي، سواء على خلفية الصراع في أوكرانيا، أو حتى الأزمات الجديدة التي باتت تمثل تهديدا وجوديا للعديد من دول العالم.
 
 
 
 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة