إنها حرب أكتوبر المجيدة، تلك التي خلدت يوم 6 أكتوبر 1973 في تاريخ الأمة المصرية، إنه يوم استعادة الكرامة، وها هي خمسون عامًا تمر على ذلك اليوم، لذا فإن كتاب "الثقافة سنة 1973 - سيرة شعبية لحرب أكتوبر" الصادر حديثًا للكاتب والباحث محمد سيد ريان، عن دار المحرر، فرصة جيدة لمعايشة اللحظة.
يتناول الكتاب حرب أكتوبر المجيدة من زاوية مختلفة، وهى رؤية الحدث من وجهة نظر الجماهير المصرية والعربية، ويعرض روايات شعبية من العمال والفلاحين عن حرب أكتوبر موضحًا تصوراتهم لأهميتها وتفاعلهم مع مجريات الأمور والأحداث.
ويرصد الكتاب نماذج من أدوار وكتابات ومواقف المثقفين المصريين والعرب خلال حرب أكتوبر الذين ساندوا المعركة حتى تحقق النصر، بالإضافة إلى قراءات لبعض ما ورد فى كتب المراسلين العسكريين أثناء المعركة.
وينقسم الكتاب إلى خمسة فصول رئيسية، وفصل سادس زائد، أما الفصل الأول فيتناول روايات شعبية عن العمال والفلاحين عن حرب أكتوبر، والفصل الثاني يرصد نماذج من أدوار وكتابات ومواقف المثقفين المصريين خلال حرب أكتوبر.
والفصل الثالث يعد استكمالاً للدور الشعبي للمثقفين العرب من كل الأقطار العربية الذين ساندوا المعركة حتى تحقق النصر، أما الفصل الرابع فهو قراءات موجزة لبعض ما ورد في كتب المراسلين خلال حرب أكتوبر لتوضيح الدور المهم الذى قامت به تلك الكتب على مدار سنوات.
ويتناول الفصل الخامس زاوية جديدة وهى تناول حرب أكتوبر في مجلات الأطفال وقتها ويختار مجلات ميكي وسمير الشهيرة نموذجًا.
وتجتمع كل جوانب الكتاب على أن يكون سيرة شعبية سواء للعمال والفلاحين وهم جمهور الشعب المشارك وقتها، وكذلك المثقفون وهم أيضًا جزء رئيس من الشعب يعبر عن طموحاته وأحلامه وانتصاراته وأمجاده ويشاركون بأفكارهم وفنونهم وحتى الأطفال في الكتابات والرسوم المعبرة عنهم.
أما إضافة الفصل السادس فهو رؤية شخصية للمؤلف في تقديم محتوى للأجيال الجديدة الذين لم يعاصروا تلك الفترة العظيمة من تاريخ مصر، وقد لا يدرك بعضهم لم قامت تلك المعارك وأهمية النصر وضرورة استرداد سيناء لمصر، ولذلك قدم عرضًا لكتاب مهم وهو "سيناء – المدخل الشرقي لمصر" للجغرافي عباس مصطفى عمار.
وبخصوص الصور الواردة في الكتاب فقد تم الحصول عليها من الكتيب التذكاري الذى أصدرته الهية العامة للاستعلامات في أكتوبر 1974 بمناسبة مرور عام على حرب أكتوبر.
...
رؤية العمال والفلاحين لحرب أكتوبر
تعد مجلة الطليعة المصرية واحدة من أبرز المجلات التي التزمت خطًا مميزًا للتعبير عن توجهاتها الأدبية والفكرية منذ ستينيات القرن الماضي تمثل في آمال وطموحات اليسار في التغيير، وقد عبرت بشكل واضح عن تطورات الفكر المصري في تلك المرحلة، وبمطالعة أعداد تلك المجلة المهمة تكتشف أنها تختلف عن غيرها في ذلك الوقت بل سابق في الرؤية والرسالة لما جاء بعدها من حيث الطرح والعمق.
ومن عطايا تلك المجلة الرائدة وكنوزها ما وجدته في عدد ديسمبر 1973 حيث تم تخصيص مساحة كبيرة لملف في غاية الأهمية في باب شهادات واقعية تحت عنوان "رؤية شعبية لحرب أكتوبر 1973" تم فيه استطلاع رأى عدد لا بأس به من العمال والفلاحين ومعرفة ردود أفعالهم.
فمن الفلاحين تذكر عطيات حجازى (فلاحة – الدلاتون): بمجرد قيام الحرب الناس سادهم شعور بالأخوة والترابط وظهر التعاون بين الناس فى جميع المجالات فى الدفاع المدنى والتبرع بالدم، كل واحد كان عايز ياخد فرصة لخدمة بلده أثناء الحرب وأولادنا المقاتلين على الجبهة كنا بندعيلهم بالنصر ومكناش قلقين عليهم بالعكس كنا فخورين بهم".
أدوار ومواقف المثقفين المصريين فى حرب أكتوبر
نجيب محفوظ:
ومن أبرز من كتبوا انفعالا وفرحة بالحرب الأديب الكبير نجيب محفوظ تحت عنوان "عودة الروح" : ردت الروح بعد معاناة طعم الموت ست سنوات، رأيت المصرى خلالها يسير فى الأسواق مرتديا قناع الذل، يثرثر ولا يتكلم، يقطب بلا كبرياء، يضحك بلا سرور، يتعامل مع المكان وهو غريب، ويساير الزمان بلا مستقبل....
ويقول عن النصر: انتقل الجيش من الغرب إلى الشرق. بادر العرب إلى العروة الوثقى. ذهل الأصدقاء والأعداء، استرد المواطن عهود مجده وكبريائه، سارت مصر من عهد إلى عهد، ومن موت إلى خلود".
يوسف إدريس:
كتب المبدع الكبير يوسف إدريس تحت عنوان "الخلاص" : بضربة واحدة تمت المعجزة، تحولنا من كائنات لا كرامة لها .. كائنات كالسائمة إلى بشر ذوى كرامة، بضربة إرادة واحدة ردت إلينا كرامتنا وعادت إنسانيتنا".
المثقفون المصريون خارج مصر (الدكتور أحمد زكى نموذجا):
فى مجلة العربى الكويتية التى كان يرأس تحريرها الدكتور أحمد زكى كتب فى الافتتاحية "عزيزى القارئ": قامت الحرب بين العرب وإسرائيل .. إنها حرب "التصحيح" التى كان لا بد منها... بها نريد أن تكتب صفحة فى تريخنا بيضاء، تذهب بسواد تلك الصفحة الرهيبة القديمة السوداء".
مجلة الآداب البيروتية .. عدد للتاريخ
ولم تصدر مجلة "الآداب" البيروتية في أكتوبر، وقت الحرب، وقد شاءت الأقدار أن تصدر في عدد مزدوج ( تزيد صفحاته على ضعف العدد العادي) مخصص كله لأهم ما كتبه أدباؤنا ومفكرونا في المعركة.
وجاءت فكرة العدد في اختيار نماذج مما كتبه حملة الأقلام العرب في مختلف المجلات والصحف ووسائل الإعلام المختلفة. وذكروا أنهم استأذنوا الأدباء والمفكرين بإعادة نشرها في هذا العدد الوثائقي الذي قصدوا منه جعله مرجعا هاما لمبادرات الكتاب العرب في مواجهة المعركة.
والعدد به تجميع ممتاز وموثق لكل ما قاله المثقفون المصريون والعرب بالصحف والمجلات العربية خلال حرب أكتوبر 1973 وبه عدد كبير من النصوص الأدبية والأشعار عن حرب أكتوبر بالإضافة للرؤى الفكرية المطروحة من وحي اللحظة.