عسكر جنود الاحتلال الفرنسى فى قرية برمبال الجديدة بمحافظة الدقهلية، وغادروها قبل شروق الشمس، فوصلوا بحرا تجاه الجمالية فى نحو الساعة العاشرة صباح 19 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1798، حسبما يذكر عبدالرحمن الرافعى فى الجزء الأول من موسوعته «تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم فى مصر».
كان الفرنسيون الذين جاءوا فى حملة بقيادة نابليون بونابرت لاحتلال مصر يواصلون معاركهم، من أجل إخضاع قرى ومدن مصر لاحتلالها، ومنها البلاد التابعة لإقليم المنزلة بالدقهلية، وفعلوا ذلك فى قريتى «منية محلة دمنة» و«القباب الكبرى»، وكان حسن طوبار يقود المقاومة ضدهم فى هذا الإقليم، وبوصف «الرافعى»: «كان له سلطة واسعة تقوم على مكانته فى النفوس، وثورته وعصبيته من ذوى قرباه وأتباعه، وعلى مؤازرة العرب الذين يقطعهم الأراضى ليزرعوها ويغدق على رؤسائهم بالهدايا والتحف».
بعد أن نفذ الفرنسيون خطتهم فى قريتى منية محلة دمنة والقباب الكبرى، بدأوا فى طريق العودة إلى المنصورة، لكن الطريق لم يكن مفروشا بالورود، ويذكر «الرافعى»: «وحلت سفنهم فى بحر أشمون من قلة المياه، وانتهزها الأهالى فرصة فهاجموا السفن الفرنسية وكانوا يتبعونها من بعيد، واشترك فى هذا الهجوم أهالى الجمالية، فأطلقوا النار على السفن وأمطروها وابلا من الحجارة من أعلى سور بلدتهم، فأمر الجنرال داماس بإنزال الجنود إلى البر لرد هجوم الأهالى، وأمكنه أن يفرق الجموع التى أحدقت بالقوة الفرنسية، ولكنه بعد قتال أربع ساعات انسحب من الموقع الذى نزل به، ورأى أنه لا يستطيع الثبات به ولا متابعة السير فى بحر أشمون، فأضرم النار فى الجمالية وعاد أدراجه إلى المنصورة ومعه جرحاه وقتلاه».
يذكر «الرافعى» أن الجنرال داماس فى طريق عودته سلك طريق البحر الصغير، ومر فى طريقه بقرية ميت سلسيل، وهى من بلاد دكرنس على البحر الصغير، فأمر بإحراقها وكان أهلها قد تمردوا وأخلوا بلدتهم وأوغلوا بعيدا عنها، حيث كانت تفصلهم مياه الفيضان والمستنقعات عن خط سير الحملة، فلم يستطع داماس اللحاق بهم.
يؤكد «الرافعى»، أن معركة الجمالية كانت ذات شأن وخطر كبير، وينقل وصف الضابط «جازلاس» من كتيبة الجنرال دماس تقريره عنها، قائلا: «لما وصلنا بحرا تجاه الجمالية، وهى قرية كبيرة قوية على الشاطئ الغربى من بحر أشمون، فوجئت السفن التى كانت تنقل الجنود بعاصفة من الأحجار والرصاص انهالت من أسوار البلدة وبيوتها، وفى الوقت نفسه رأينا جموعا كثيرة من العرب والمماليك والفلاحين مسلحين بالبنادق والسيوف والعصى «الشماريخ» تهرع من الجهات المجاورة مسرعة إلى مهاجمتنا، وكان بعضهم يركب الخيل وأكثرهم مشاة، فذهبنا لهذه الهجمة العنيفة، ولكننا لم نؤخذ على غرة».
يضيف «جازلاس»: «نزلت الجنود حاملة سلاحها إلى البر الشرقى المقابل للقرية، وتأهبوا للقتال منتظرين قدوم الأعداء «الأهالى»، فرأينا أكثرهم شجاعة يغامرون بأنفسهم ويهجمون إلى أن يصبحوا فى وسط جنودنا، لكن الجنود حاربوهم ببسالة، وقد رأيت بنفسى جماعة من الفلاحين ليس بيدهم سلاح سوى العصى يهاجموننا بحماسة فيستشهدون بين أسنة رماحنا، وصدر لى الأمر بإطلاق النار على الأعداء المهاجمين، فأطلقنا النار عليهم وفرقنا هذه الجموع بعد أن تركت الميدان مغطى بجثث القتلى، ولقد تمكن بعضهم من أن يعبروا الترعة ثانية ويمتنعوا فى الجمالية، وهى قرية محاطة بالأسوار تحميها ترعة أشمون «البحر الصغير» من جهة والمستنقعات التى تغمرها المياه من جهة أخرى، فأمرنى الجنرال داماس أن آخذ القوة الكافية واستولى عنوة على القرية».
يذكر «جازلاس»: «عبرنا الترعة بجسر أقمناه على عجل، ووزعت جنودى فعهدت إلى جزء منهم رد الهجمات الآتية من خارج القرية، وهجمت بقوتى على القرية، واقتحمنا الباب الكبير رغم مقاومة أهلها الذين دافعوا عنها دفاعا قويا، فاستولينا على جزء من القرية، ولكن الأهالى ظلوا يدافعون عن الجزء الآخر ممتنعين فى البيوت والشوارع، وهجم الثوار على القوة التى دخلت القرية، ولكن صدتهم البنادق والحراب، وحصر جزء منهم فى القرية وتمكن جماعة آخرون من أن يتسللوا منها فنقلتهم القوة المرابطة حولها، ونجا منهم من ألقوا بأنفسهم فى المستنقعات وذهبوا سباحة يحملون أسلحتهم».
قدر «جازلاس» خسائر الفرنسيين فى هذه المعركة بخمسة قتلى وخمسة عشر جريحا، وقدر خسائر الأهالى بخمسمائة، ويؤكد «الرافعى»، أن معركة الجمالية انتهت بحرق البلدة وانسحاب الفرنسيين، وعادت قوة الجنرال «داماس» إلى المنصورة يوم 21 سبتمبر بعد أن مرت وهى راجعة بالكردى، ومنية محلة دمنة، وكان الأهالى فى معظم هذه القرى التى مر بها الجيش الفرنسى يخلون بلادهم خوفا من الانتقام، حيث كان الجيش يصلها فلا يجدها إلا خالية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة