سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 21 سبتمبر 1911.. وفاة أحمد عرابى بعد سنوات من الثورة والمنفى والمعاناة بعد العودة وأسرته تؤجل إعلان نبأ موته لعدم امتلاكها المال لتجهيزه ودفنه

الخميس، 21 سبتمبر 2023 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 21 سبتمبر 1911.. وفاة أحمد عرابى بعد سنوات من الثورة والمنفى والمعاناة بعد العودة وأسرته تؤجل إعلان نبأ موته لعدم امتلاكها المال لتجهيزه ودفنه أحمد عرابى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اشتدت وطأة المرض على الزعيم أحمد عرابى فى داره بالمنيرة، فأوصى أولاده بنشر مذكراته مهما قام فى وجوههم من عقبات ليعلم الناس حقيقة أعماله، وأن يدأبوا على المطالبة بحقوقهم، ثم غاب عن الوعى ستة وثلاثين ساعة، لم يتكلم فيها أو يفتح عينيه أو يدرى شيئا مما حوله، ثم وافاه الأجل، فأصبح فى ذمة الله ودخل فى سجل التاريخ، حسبما يؤكد الكاتب محمود الخفيف فى كتابه «أحمد عرابى الزعيم المفترى عليه».
 
توفى أحمد عرابى فى 21 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1911، بعد أن أصيب بمرض سرطان المثانة، ويذكر «الخفيف»: «كان يعالجه ثلاثة من الأطباء، أحمد بك عيسى ومحجوب ثابت وأنيس أنسى»، ويضيف: «كان عرابى قد توفر له كتابة مذكراته عن الثورة فكتبها فى ثلاثة دفاتر كبيرة، ألم فيها بحوادث الثورة جميعها، وفرغ منها فى 26 من يوليو سنة 1910».
 
كانت وفاة أحمد عرابى بعد نحو 29 عاما من ثورته «1882»، وبعد نحو عشر سنوات من عودته من المنفى، الذى قضى فيه 19 عاما، ويذكر «الخفيف»: «بعد عودته، تحاشى الوزراء وكبار الموظفين الاتصال به، وأحس أنه غريب فى وطنه، فقد أنكره أكثر من كانوا يلازمونه إبان سلطانه، ومنهم من كان يود لو وجه إليه يومذاك عرابى نظرة أو حياة بتحية».
 
وفيما كان أصحاب المناصب العليا على هذا النحو من الإنكار لـ«عرابى»، كان هناك شخصيات أبية لا تنكر فضله واستمرت على التواصل معه، حسبما يؤكد «الخفيف» الذى يذكر عددا منهم  وهم «على فهمى باشا زميله فى الثورة وفى المنفى، وإبراهيم فوزى باشا مأمور ضبطية القاهرة إبان الثورة، والشيخ محمد خليل الهجرسى الصديق الوفى، والزبير باشا، ومحمد بك الزمر، والسيد باشا شكرى المهندس، وأحمد بك ناشد مدير الشرقية فى أثناء الحرب، ورزق بك حجازى من رجال الثورة، وعبدالحميد باشا العبادى، وأحمد حمدى باشا، والشاعر حافظ إبراهيم، والدكتور محجوب ثابت، ومحمد بك أبوشادى المحامى، وعلى بك آصف، ونفر قليل ممن كانوا يجلونه ويحبونه».
 
 أما عامة المصريين وموقفهم منه، فيذكر «الخفيف» فى كتابه الذى كتبه عام 1947: «حدثنى كثيرون ممن رأوه فى تلك الأيام، فقالوا إنهم لن ينسوا قامته الطويلة ولا لحيته البيضاء ولا وجهه الذى تنبعث منه هيبة شديدة، ويشع منها الإيمان والورع فى وقت واحد، ولن ينسوا إقبال الناس عليه كلما رأوا إشارتهم إليه وتزاحمهم لرؤيته، إذا كان جالسا فى دكان أو فى مسجد، وقولهم هذا عرابى».
 
 غير أن صلاح عيسى يذكر فى كتابه «الثورة العرابية»: «قبل موت عرابى بشهور، كان خارجا من المسجد الحسينى عقب صلاة العشاء فى إحدى ليالى رمضان، فإذا بشاب يبصق فى وجهه صائحا: «يا خائن»، ومسح الرجل الجليل وجهه، وأغلق باب منزله على نفسه شهورا طويلة، ترى ما الذى اعتصر قلبه فى تلك الشهور الحزينة؟ ذلك سر أخده معه إلى القبر»، يضيف «عيسى»: «خرجت إحدى الصحف تكتب خبر وفاته فى مكان متواضع، قائلة: «علمنا أن المدعو أحمد عرابى صاحب الفتنة المشهورة باسمه قد توفى أمس».
 
يذكر «الخفيف» جانبا آخر من معاناة «عرابى» بعد عودته من المنفى، قائلا: «كان من أشد ما يتألم منه وهو مقيم مع أولاده بعمارة البابلى بشارع خيرت، ضيق ذات يده، فمعاشه لم يكن يكفيه هو وأسرته كثيرة العدد »، وظل «عرابى» على هذه المعاناة حتى أيامه الأخيرة، وحين توفى، لم يكن لدى أولاده من المال ما يكفى لتجهيزه ودفنه، فاضطروا إلى عدم إعلان نبأ وفاته إلى اليوم التالى حتى قبضوا معاشه، إذ صرفت وزارة المالية المرتبات والمعاشات فى هذا اليوم بمناسبة عيد الفطر، ولم يشيعه إلى مقره الأخير رجل رسمى واحد أو يحضر فى مأتمه، ولكن مصر الوفية التى أخافها الاحتلال فتباعدت عنه حيا، أبت ألا تكرمه ميتا فأحاط بنعشه الألوف من أبنائها، وتألفت من هؤلاء جنازة شعبية عظيمة، سارت فى صمت وخشوع من داره بالمنيرة حتى أهيل عليه التراب فى قبره بالإمام الشافعى وسوى عليه بين ترحم المترجمين وبكاء الباكين».
 
يعلق صلاح عيسى: «الذى بصق فى وجه عرابى، والذى نشر نبأ نعيه، والذى تركه يعانى ذل الحاجة، لم يكن مصر، ولكنه جزء من أمة الخيانة، جزء من مصر المحتلة، مصر التى سادت الخبائث فيها وجه الحياة، واستأسدت فيها كلاب الطريق، أما معذبو الأرض الذين عاشوا الملحمة العرابية بكل أبعادها، فقد صانوا عهد الحب حتى النهاية».









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة