لا صوت يعلو فوق طبول الحرب، بؤر الصراعات ما بين الحرب الأوكرانية الروسية والحرب في غزة ومناوشات في شبه الجزيرة الكورية ومحيطها وصراعات عرقية في عدة بلدان واضطرابات سياسية في القارة الإفريقية ونزاعات حول مصادر الطاقة وخطوط الإمداد، ذلك ـ للأسف ـ هو حال عالمنا اليوم، لا يقطع ضجيج الحرب سوى أصوات عاقلة خافتة، تقودها "الدبلوماسية المصرية الحكيمة".
وحين تعلو أصوات طبول الحرب، يصبح الحديث عن السلام أمرًا استثنائيًا، ومن يتحدث عن التهدئة سيواجه بضغوطات كبيرة لإثنائه عن موقفه أو لاستقطابه إلى معسكر دون آخر، وحينها فإن محاولة "إنقاذ العالم" من نيران الحروب، والسعي الحثيث نحو إقرار السلام يصبح "البطولة الحقيقية" التي ربما لا تداعب أحلام المستفيدين من الحرب، ولا تدغدغ مشاعر الجماهير وتجيشهم بشعارات رنانة وخطب حماسية.
وإن تحدثنا عن موقف الدولة المصرية من الأزمات الإقليمية، يمكننا إيجازه بأنه "موقف استباقي" يدافع عن "الحقوق المشروعة" ويرتكز على "سرديات متماسكة" ويستند على "أعراف مستقرة" ويأخذ في الاعتبار "الأبعاد الإنسانية"، تلك الأبعاد الخمسة تمثل "مدرسة دبلوماسية فريدة" تتميز بها مصر وتخلق بها طريقًا بديلًا للعالم الذي ينجرف سريعًا ودون بصيرة نحو حروب شاملة.
ولنبدأ بكونه "استباقي" وهو ليس بأمر جديد، فكما قال السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي عن الرئيس السادات رحمه الله بأنه "انتصر على خصومه وهو مش موجود"، حين كان سابقًا لعصره بأكثر من نصف قرن، وأدرك المشهد وهو لا يزال في بوادره الأولى، وهو نفس ما أدركته الدولة المصرية منذ 7 أكتوبر وحذرت منه ولكن لم يستمع إليها أحد إلا بعد فوات الأوان.
أما "الدفاع عن الحقوق المشروعة" فإن الحكمة لا تعني التفريط في الحقوق، فحين يمس الأمن القومي المصري أو يصاب أي مصري بأذى في أي بقعة من الأرض، فالرد سيكون سريعًا وحاسمًا وموجعًا، وما "الخط الأحمر في سرت" من ذلك ببعيد، ولن يعبث أحد بحقوق مصر في مياه النيل أو غاز المتوسط وستعقد التحالفات وتصاغ الاستراتيجيات وتتخذ القرارات لإنهاء أي أحلام بالعبث بالحقوق المشروعة.
وإذا جئنا على ذكر "السرديات المتماسكة" فإن الحرب في غزة خير مثال، فالحكمة والعقل وتغليب السلام لا يعني أن نرضى أو نقبل بترويج الاحتلال الإسرائيلي لسرديته الكاذبة عن الوقائع في غزة، وحين كان العالم يدندن سيمفونية "الدفاع عن النفس" الإسرائيلية، خرجت مصر لتعزف مقطوعة مختلفة تعكس مدى الإجرام الإسرائيلي ومنع دخول المساعدات وحصار المدنيين واستهداف المستشفيات والمدارس ودور العبادة.
وحين الحديث عن "الأعراف المستقرة" فإن الدبلوماسية المصرية لا تعبث بأمن واستقرار الأوطان ولا تساند أو تغض الطرف عن أي مساس بالسيادة الوطنية للدول، ولا تتخذ من أوضاع الدول "المفككة" ورقة للاستفادة أو تحقيق المصالح على حساب الشعوب أو سيادة الأوطان، وإلا لكانت مصر استفادت كثيرة من حالة الفوضى التي تموج فيها كل الدول على حدودها الشرقية والغربية والجنوبية.
وتكتمل الأبعاد الخمسة لمدرسة الدبلوماسية المصرية بأنها تضع "الاعتبارات الإنسانية" في الحسبان، فهي لا تنسى في خضم "سيناريوهات الصراع" و"مؤامرات الحروب" بأن المدنيين العزل ليسوا ورقة للضغط وبأن حياتهم هي أولوية قصوى، ولذا، كانت مصر هي الأكثر تبرعًا لغزة رغم أزماتها، واستخدمت المساعدات للضغط على الدول الإقليمية والقوى الدولية للتهدئة وليس العكس.
وأخيرًا، يمكننا استعارة وصف السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يلخص موقف مصر من الأزمات الدولية والإقليمية بأنه "صادق وأمين وشريف".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة