تمر، اليوم، ذكرى ميلاد الفيلسوف والمؤرخ والكاتب الأمريكى ويليام جيمس ديورانت المعروف باسم "ويل ديورانت" إذ ولد فى مثل هذا اليوم 5 نوفمبر عام 1885، ويعد كتاب "قصة الحضارة" أشهر مؤلفاته والذى شاركته زوجته أرئيل ديورانت فى تأليفه، ويتحداث فيه عن مصر.
يقول ويل ديورانت عندما تحدث فى كتابه عن تنوع أنظمة الحكم فى مصر: لم يكن الملوك فى بلد من البلاد بالكثرة التى كانوا بها فى مصر القديمة، والتاريخ يضمهم جميعا فى أسر، تشمل كل أسرة ملوكاً من بيت واحد أو ذرية واحدة، ولكن عدد هذه الأسر نفسها يثقل الذاكرة التى لا تطيق كثرتها.
وحكم مصر بيبى الثانى أحد هؤلاء الفراعنة أربعاً وتسعين سنة "2738- 2644 ق.م" وحكمه هذا أطول حكم فى التاريخ كله، فلما مات عمت الفوضى البلاد وأدت إلى الانحلال وخسر خلفه عرشه، وحكم أمراء الإقطاع المقاطعات حكماً مستقلاً، وهذا التعاقب بين السلطة المركزية وغير المركزية من الظواهر التاريخية التى تتوالى بانتظام، كأن الناس يملون الحرية المفرطة تارة والنظام المسرف تارة أخرى، وطغى على البلاد "عصر مظلم" سادته الفوضى أربعة قرون، ثم قام بعدها رجل قوى الإرادة شبيه بشارلمان فى عصور أوربا المظلمة، فقبض بيد من حديد على زمام الأمور، وأعاد النظام إلى البلاد، ونقل العاصمة من منف إلى طيبة، وتسمى باسم أمينمحيت الأول، وأسس الأسرة الثانية عشرة، وفى عهد هذه الأسرة ازدهرت الفنون جميعها- مع جواز استثناء فن العمارة- وبلغت من الإتقان درجة لم تبلغها فيما نعرفه من تاريخ مصر قبل هذه الأسرة أو بعدها، ويتحدث إلينا أمينمحيت فى أحد النقوش القديمة بقوله:
كنت رجلاً زرع البذور وأحب إله الحصاد؛
وحياتى فى النيل وكل وديانه؛
ولم يكن فى أيامى جائع ولا ظمآن؛
وعاش الناس فى سلام بفضل ما عملت وتحدثوا عني.
وكان جزاؤه أن ائتمر عليه البعض لكنه قضى على هذه المؤامرة، وبطش بالمتآمرين خلف لابنه- كما فعل بولونيوس من بعده- ملفاً من الأوراق يحوى نصيحة مرة، هى فى واقع أمرها قاعدة عجيبة للحكم المطلق ولكنها ثمن باهظ يبتاع به الملك عرشه:
استمع إلى ما سأقوله لك،
حتى تكون ملك الأرض...،
وتزيد فيها الخير
أقسى على جميع من هم دونك
فإن الناس لا يعنون إلا بمن يرهبهم؛
ولا تقترب منهم بمفردك،
ولا تملأ قلبك بالمودة لأخ،
ولا تعرف صديقاً...،
وإذا نمت فاحرس بنفسك قلبك
لأن الإنسان لا صديق له فى أيام الشر.
ولقد أقام هذا الملك الصارم الذى يبدو لنا حاكماً رحيماً، نظاماً من الحكم والإدارة دام خمسمائة عام، أثرت فيه البلاد مرة أخرى، وعاد فيه الفن إلى سابق عهوده الزاهرة.
واحتفر سنوسريت الأول قناة تصل النيل بالبحر الأحمر، وصد الغزاة النوبيين وشاد الهياكل العظيمة فى عين شمس والعرابة والكرنك، ولقد نجت من عبث الدهر عشرة تماثيل ضخمة تمثله جالساً، وهى الآن فى متحف القاهرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة