هيثم الحاج على

في ذكرى شمس الأتربي مازلنا نبحث عمن يحرس هويتنا

الخميس، 07 نوفمبر 2024 11:53 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

على الرغم من أن شمس الأتربي غابت عنا في الخامس نوفمبر 2017 فإن أثرها الباقي درس ينتظر منا أن نستوعبه ونكرره وننميه ربما نستطيع استغلال ما يوجد بأيدينا ولا نعرف عنه الكثير.

عندما استعادت مصر أرضها كاملة في أبريل 1982 كان هناك رغبة عارمة لدى الشباب المصري أن يزور تلك الأرض، يتمتع بهوائها المفعم بأنفاس الشهداء، ويلمس ترابها المشبع بدمهم، ولذلك فقد نظمت الجامعات المصرية رحلات لأبنائها الطلاب لزيارة هذه الأرض، من هؤلاء كانت الفتاة المغرمة بالفنون المصرية عموما شمس الأتربي، التي ركزت في زيارتها على السيدات صانعات الجلباب السيناوي واللاتي كن يطرزنه بغرز الإيتامين الشهيرة، لكنها لاحظت أنهن يستخدمن خامات تختلف عن القطن المصري، وأن رسومهن تبتعد بصورة ما عما تعرفه من رسوم مصرية تقليدية وتراثية، وعندما علمت أن هذا كان طلب بعض محتلي الأرض الذين أمدوهن بالخامات والرسوم كذلك، مقابل شراء كل ما يصنعن، استشعرت شمس خطرا حقيقيا وقررت أن تواجهه، فكان أن قررت أن تعقد مع نساء سيناء اتفاقا بأن تمدهن بالخامات وكذلك أن تعيد تعليمهن التيمات المصرية الأصيلة وتشتري منهن كل ما يصنعن.

كان لي شرف لقاء هذه السيدة المصرية جدا مرات عديدة غير أني سمعت منها هذه القصة التي لم تدونها في أي مذكرات في لقاء بصالونها الثقافي بمنزلها حضره عدد من الأصدقاء، وربما كانت تلك القصة هي البداية التي جعلت شمس تبدأ في عام 1983 مشروعها الأصيل من أجل إحياء التراث المصري خاصة فيما يتعلق بملابس المرأة، حيث صممت هي تلك الجلابيب معتمدة على التيمات المصرية ومحدثة لها من دون أن تمس شخصيتها الأصلية، وربما نستطيع الحكم بنجاحها في الحفاظ على عنصر مصري تراثي وثقافي وفني أصيل.

شمس الأتربي التي تحدثت عن سبع عشرة منطقة مصرية من حيث الملبس، هي المصرية الأصيلة التي كانت الهوية المصرية مستقرة في وعيها، وكانت في كل مشروعاتها تستهدف تنمية هذه الهوية كما كانت في كل أعمالها التالية محبة للثقافة المصرية والفنون المصرية عموما.

شمس الأتربي تلك التي كان لها دور كبير في إنشاء واحدة من أهم الجوائز الأدبية المصرية، ودعمت المواهب من خلال عملها بإحدى المؤسسات الراعية، هي نفسها التي يمكننا القول بأنها علمتنا أن دعم الثقافة الأصيلة والعمل على تنميتها يمكنه أن يكون مربحا، ويمكنه أن يصبح مشروعا قوميا جالبا للربح من ناحية – بناء على نجاح مشروعها في صناعة وبيع الجلباب – كما يمكنه المحافظة على التراث فلا يستلبه محتل ويغير من عناصره ثم ينسبه لنفسه، ومن ناحية أخرى يمكن لهذا المشروع أن يكون ذا أثر اجتماعي من حيث عناصر التشغيل وفرص العمل الممكنة، ومن ناحية أخرى يمكنه أن يحافظ على ذائقة بديعة تشعر بالجمال وتنميه وتطوره، فهل يمكننا إذن أن نتعلم الدرس ونسعى خلف حرفنا اليدوية بالصورة التي تجعلها صناعات يمكن استثمارها.

الأمر لا يحتاج منا سوى إرادة أولا، ثم معرفة حقيقية بالعناصر التي توجد تحت أيدينا، معرفة كاملة وليست جزئية، ثم تقسيم لهذه العناصر إلى صناعات وحرف يمكنها أن تتحول إلى صناعات وحرف لا يمكنها ذلك، مع مراعاة الحرف التي بدأت في الانقراض، على أن يتم دراسة ذلك كله لتحديد احتياجات كل قسم من تأهيل وتمويل وتسويق ودعاية وتدريب وغيرها من سبل الدعم التي سوف تفتح بابا كبيرا لزيادة الدخل القومي وتوفير الدعم الاجتماعي بصناعات محلية يمكنها أن تنافس عالميا مع الترويج للثقافة المصرية، لتبدو هي القوة الناعمة في أبهى صورها في الخارج، ولتكون عمودا أساسيا من أعمدة بناء الوعي بالهوية المصرية لدى أبنائنا عن طريق تحقيق مصلحة واضحة تثبت هذا الوعي وتدعمه.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة