سنوات مرت على تلك المرأة التى كانت صباح كل يوم تتحلى بعزيمةٍ لا تلين، لتعلم أجيالاً وأجيالًا، اليوم، تغادر المُدرّسة "نادية محمد حجاج" المُدرسة فى ميدوم ببنى سويف، مقاعد التعليم بعد أن قضت سنوات طويلة بين السبورة والطلاب، لكن بقاءها فى الذاكرة لا يعترف بتقادم الأيام.
منذ أن بدأت مهنتها، كانت تُدرّس لا بالحروف فحسب، بل بالقيم والمبادئ التى لطالما آمنت بها، لم تكن مجرد معلمة، بل كانت شعلةً تنير دروب المعرفة لمن حولها، تلهمهم أن العلم ليس مجرد نقل للمعلومة، بل هو زرعٌ فى العقول والنفوس.
وعندما تقاعدت، كأنها سلّمت المفتاح، ليس لباب المدرسة فقط، بل لقلبها الذى لطالما كان مفتوحًا لكل طالب وطالبة.
أدهشنى هذا المشهد المبهج للطلاب وهم ينظمون ممرًا شرفيًا لها فى حفل وداعها، حيث وقف الجميع، من زملائها إلى طلابها، يصفقون لها بعينٍ دامعة وقلبٍ مملوء بالامتنان، كيف لا وهى التى جعلت من كل يومٍ درسًا ومن كل لحظةٍ رسالةً؟ "الأستاذة نادية" لم تكن معلمة تقليدية، بل كانت قدوة حية لكل من آمن بأن العطاء لا يقتصر على يومٍ أو زمن، بل هو نورٌ يظل مشتعلاً حتى بعد أن ينسدل الستار، ولكن، هل ينتهى دورها مع تقاعدها؟ بالطبع لا، فكل طالب مرّ فى صفوفها حمل فى قلبه قطعةً منها، وكل ذكرى سُطّرت بين دفاتر دروسها لا تزال تهمس فى آذانهم، تذكّرهم أن السعى نحو المعرفة ليس له وقت محدد، مغادرتها ربما تكون نهاية لفصلٍ من فصول حياتها، ولكنها بداية لفصلٍ آخر؛ فصلٍ تشكل فيه الذكريات مسرحًا يُعرض عليه كل درسٍ وكل ابتسامة وكل كلمة حكمة.
وفى كل مرةٍ يذكر فيها اسم "الأستاذة نادية"، سيبقى ذلك الشغف فى الأذهان يتردد: "التعليم ليس مجرد مهنة، إنه رسالة لا تنتهي"، فوداعًا للسبورة يا مربية الأجيال، ومرحبًا بكِ فى كتب التاريخ التى لا تقف عند نهاية الفصل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة